لِمُوجِبٍ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ
ــ
[حاشية العطار]
فَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّغَيُّرِ هُنَا مَعْنًى خَاصٌّ هُوَ كَوْنُهُ لِمُوجِبٍ وَمَتَى كَانَ لِمُوجِبٍ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِ فَإِنَّهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلِهَذَا قَبِلَ التَّغَيُّرَ وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِمُوجِبٍ) أَيْ سَبَبٍ يَقْتَضِيه بِأَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ لِلْعَبْدِ لَا بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ أَوْ التَّوَلُّدِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِسٍّ) وَيُسَمَّى الْحُكْمُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَاتِ إنْ كَانَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَيُسَمَّى بِالْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُشَاهَدَاتُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْمُبْصَرَاتِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِحْسَاسَ بِالْبَصَرِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَيْسَ كُلُّ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِالْحَوَاسِّ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا وَقَبُولِهِ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُنَا لِلسَّرَابِ إنَّهُ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ وَكَذَا سَائِرُ أَغْلَاطِ الْوَهْمِ وَالْحِسِّ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ.
وَالثَّانِي: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَمِنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ.
الثَّالِثُ: مَا تُدْرِكُهُ نُفُوسُنَا وَالْأَخِيرَانِ يُسَمَّيَانِ وِجْدَانِيَّاتٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَقْلٍ) أَيْ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ بِوَاسِطَةِ النَّظَرِ يُسَمَّى الْحُكْمُ نَظَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ سُمِّيَتْ الْقَضَايَا الْمَحْكُومُ فِيهَا أَوَّلِيَّاتٍ كَالْوَاحِدِ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ لَا تَغِيبُ عَنْ الذِّهْنِ وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَةُ زَوْجٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَادَةٍ) وَهِيَ مَا يُوجَدُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ كَالْإِسْهَالِ مِنْ شُرْبِ السَّقَمُونْيَا وَهِيَ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ السَّمْعَ فَهِيَ الْمُتَوَاتِرَاتُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ تَوَاطُؤَ الْمُخْبِرِينَ عَلَى الْكَذِبِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعَادَةِ الْمُجْرَيَاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا حَصَرَ قَوْمٌ الْحُكْمَ فِي الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَسَكَتُوا عَنْ الْعَادَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِي قِسْمِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا.
وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي مَتْنِ الْعَقَائِدِ أَسْبَابُ الْعِلْمِ ثَلَاثَةٌ الْحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ وَالْعَقْلُ.
وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقُطْبِ طُرُقُ حُصُولِ الْعِلْمِ مُنْحَصِرَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْبَدَاهَةِ وَالْإِحْسَاسِ وَالتَّوَاتُرِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْحَدْسِ وَالنَّظَرِ اهـ.
وَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْمَآلَ فِيهَا وَاحِدًا وَنَقَلَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا عَنْ شَرْحِ السُّلَّمِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ الْمَلَوِيِّ أَنَّ الْحَدْسِيَّاتِ تَحْتَاجُ لِتُكَرِّر الْمُشَاهَدَةِ كالتجربيات اهـ.
وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الطُّوسِيُّ فِي شَرْحِ الْإِشَارَاتِ أَوْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَدْرَجَهَا الْجَمَاعَةُ هُنَا تَحْتَ الْعَادَةِ وَلَكِنْ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَا يَجِبُ فِي الْحَدْسِ الْمُشَاهَدَةُ مَرَّةً فَضْلًا عَنْ تَكَرُّرِهَا فَإِنَّ الْمَطَالِبَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي لَا يَكُونُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا مَحْسُوسًا وَلَا تُنَالُ بِالْحِسِّ حُكْمُهُ قَدْ تَكُونُ حَدْسِيَّةً، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ هُنَاكَ وَعَلَيْهِ فَلَا تَنْدَرِجُ ثُمَّ إنَّ الْقَضِيَّةَ مُنْفَصِلَةٌ مَانِعَةٌ خُلُوَّ تَجَوُّزِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ مِنْ الِانْتِهَاءِ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ الْكَذِبَ فِيهِ وَالْعَقْلُ حَاكِمٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ فَإِنَّهُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالنَّاصِرُ جَعَلَهَا مُنْفَصِلَةً