للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ (لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ) مِنْهَا (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ)

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ) أَيْ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهَا فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الْمَاهِيَّةُ لَا الْأَفْرَادِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لِمَكَانِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَكْرُوهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ صَحِيحٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَلَا يَصِحُّ الْعُمُومُ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ لِلْفِعْلِ بَلْ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَالْمَكْرُوهُ ذَلِكَ الْكَوْنُ لَا الْفِعْلُ وَالْجُزْئِيُّ الْفِعْلُ لَا الْكَوْنُ، وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَالْكَوْنِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ مِنْهَا فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ مَا ذَكَرَ أَوْ تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ مَعْنَى الْكَوْنِ الْإِيقَاعُ وَهُوَ فِعْلٌ فَصَحَّ جَوَابُ النَّاصِرِ نَعَمْ تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُقَابِلَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَهُ جِهَتَانِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ جِهَةٌ أَوْ جِهَتَانِ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ لِمَا كَانَتْ الْجِهَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الْجِهَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا كَانَتْ هِيَ أَيْضًا مَأْمُورًا بِهَا إذْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكْرُوهِ مَا يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُطْلَقًا لَا يَخُصُّ الْمَكْرُوهَ فَفِيهِ إحْدَاثُ اصْطِلَاحٍ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرَهُمَا، وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا لَهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَلَمْ يَحْكِهِ إلَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ شَرْعًا مَعَ بَقَاءِ وَصْفِ الْكَرَاهَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَدَاءِ عَصْرِ يَوْمِهِ بَعْدَ تُغَيِّرْ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْمُحْدِثِ يَتَنَاوَلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] وَهُوَ مَكْرُوهٌ.

وَالثَّانِي: قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ تَنَاوُلَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ لِلْمَكْرُوهِ بِمَعْنَى أَنَّ وُرُودَهُ يَرْفَعُ الْكَرَاهَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْكَرَاهَةُ رَاجِعَةً لِمَعْنًى خَارِجٍ فَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَلَكِنْ لِلتَّشْبِيهِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الصَّلَاةُ وَلَيْسَتْ فِي الطَّوَافِ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>