للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ فَلَا تَصِحُّ أَيْضًا (عَلَى الصَّحِيحِ) إذْ لَوْ صَحَّتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْكَرَاهَتَيْنِ أَيْ وَافَقَتْ الشَّرْعَ بِأَنْ تَنَاوَلَهَا الْأَمْرُ بِالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ أَحَادِيثِ التَّرْغِيبِ فِيهَا لَزِمَ التَّنَاقُضُ فَتَكُونُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً أَيْ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهَا لَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ صَحِيحَةٌ يَتَنَاوَلَا الْأَمْرَ فَيُثَابُ عَلَيْهَا وَالنَّهْيُ عَنْهَا رَاجِعٌ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا كَمُوَافَقَةِ عُبَّادِ الشَّمْسِ فِي سُجُودِهِمْ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ النَّهْيَ لِخَارِجٍ لَا يُفِيدُ الْفَسَادَ وَبِرُجُوعِ النَّهْيِ إلَى خَارِجٍ

ــ

[حاشية العطار]

وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا صَحَّحَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَقَدْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهُ وَمِنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ تَنَاوُلَهَا الْأَمْرَ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الشَّرْعِ فِي الْعِبَادِ بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِهَا فَيَرُدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ تَنَاوُلَ الْأَمْرِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِلَّا لِمَا تَأْتِي الصِّحَّةُ فِي الْمُبَاحِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ لَهَا.

(قَوْلُهُ: لَزِمَ التَّنَاقُضُ) وَهِيَ كَوْنُهَا مَطْلُوبَةَ الْفِعْلِ وَمَطْلُوبَةَ التَّرْكِ وَفِي قَوْلِهِ إذْ لَوْ صَحَّتْ إلَخْ دَلِيلٌ اسْتِثْنَائِيٌّ تَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْكَرَاهَتَيْنِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

(قَوْلُهُ: فَتَكُونُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ السَّابِقُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَزِمَ التَّنَاقُضُ.

(قَوْلُهُ: مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً) إشَارَةً إلَى رَدِّ اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَصِحُّ، وَوَجْهُ الرَّدِّ مَا قَرَّرَهُ لُزُومُ التَّنَاقُضِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَصِحُّ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ تَلَاعُبًا جَوَابُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَعْنًى آخَرَ قَالَهُ زَكَرِيَّا، وَنَقَلَ سم عَنْ حَوَاشِيهِ لِشَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْعِرَاقِيِّ أَنَّ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا تُنَافِي حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي إبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّلَاعُبَ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ الْإِقْدَامُ لَمْ يَحْرُمْ الِاسْتِمْرَارُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَحَيْثُ جَازَ الِابْتِدَاءُ جَازَ الدَّوَامُ بِالْأَوْلَى هَذَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَقْلٍ لَا سَبَبَ لَهُ فَالْقَصْدُ بِهِ وَإِنَّمَا الْأَجْرُ وَتَحْرِيمُهَا أَوْ كَرَاهَتُهَا يَمْنَعُ حُصُولَهُ وَمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهَا) أَيْ وَالْفَسَادُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَافِي الْجَوَازَ يَعْنِي عَدَمَ الْمَنْعِ شَرْعًا.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مَانِعٌ مِنْ الثَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ) أَيْ حَيْثُ عَلَّلَ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي مَبْحَثِ النَّهْيِ سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ بِالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَكَالْبَيْعِ فِي وَقْتِ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِتَفْوِيتِهَا الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَيْضًا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا تَتِمَّةٌ لِقَوْلِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ لِخَارِجٍ) أَيْ خَارِجٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَذَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ فِي مَبْحَثِ النَّهْيِ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا لِخَارِجٍ غَيْرِ لَازِمِ النَّهْيُ لِتَمَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْمَنْهِيِّ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ أَوْ لِجُزْئِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ أَوْ لِخَارِجٍ غَيْرِ لَازِمٍ عَنْ الْبَيْعِ الرِّبَوِيِّ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ التَّفَاضُلُ وَمُرَادُهُمْ بِالْخَارِجِ اللَّازِمِ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّيْءِ وَلَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ اللَّازِمُ الْمُسَاوِي وَبِالْخَارِجِ غَيْرِ اللَّازِمِ مَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ الشَّيْءِ وَهُوَ اللَّازِمُ الْأَعَمُّ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ لَازِمَ الشَّيْءِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ وُجُودُهُ.

وَقَدْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مَوْجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ، وَكُلٌّ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالتَّفْوِيتِ وَالتَّعَرُّضِ بِالصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا لَازِمٌ لِلْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ تَحَقَّقَتْ بِغَيْرِهَا أَيْضًا وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اشْتِبَاهِ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ. اهـ.

فَإِنَّهُ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ فِي تَقْسِيمِ اللَّازِمِ إلَى الْمُسَاوِي وَالْأَعَمِّ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَيَخُصُّونَهُ بِالْمُسَاوِي وَيَجْعَلُونَ الْأَعَمَّ مِنْ قَبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>