للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُكَلَّفَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إبْلَاغَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِعْلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لِيَيْأَسَ مِنْ إيمَانِهِ كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦] فَتَكْلِيفُهُ بِالْإِيمَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ وُقُوعِهِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَالْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِينَ ظَاهِرًا.

(مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى (أَنَّ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَنَفْيِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَهُوَ مُتَعَلِّقُ إيمَانِهِ، وَهَذَا سَالِبُهُ كُلِّيَّةً وَهِيَ تَنَاقُضُ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ الْعَضُدُ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ بِأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَمَا يَكُونُ وُجُودُهُ مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِهِ فَهُوَ مُحَالٌ وَبَيَّنَ التَّفْتَازَانِيُّ وَجْهَ الِاسْتِلْزَامِ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِالتَّصْدِيقِ فَقَدْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ صَدَّقَهُ وَجَزَمَ بِذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا وَهُوَ مَعْنَى تَكْذِبِيهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا كُلِّفَ بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرَادَةِ تَبْلِيغِ الْمُخَاطَبِ وَبُلُوغِهِ مَا خُوطِبَ بِهِ اهـ. كَمَالٌ.

وَيَلْزَمُ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ اخْتِلَافُ الْإِيمَانِ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا إنَّمَا نَمْنَعُ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ وَنَحْوَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ أُمِرَ بِالْإِيمَانِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ سَبَقَ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَصْدِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَقَوْلُكُمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِأَنْ يُصَدِّقَ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ إنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِالتَّصْدِيقِ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْمُشَافَهَةِ لَهُ بِأَنْ يُخَاطَبَ أَنْ آمِنْ بِأَنَّك لَا تُؤْمِنُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ التَّعْيِينِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْإِجْمَالِيِّ بِالِانْدِرَاجِ فِي التَّصْدِيقِ الْكُلِّيِّ بِحَقِيقَةِ جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْمِنَ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كُلِّفَ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا إذَا صَدَّقَ زَيْدٌ عَمْرًا فِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا لَا يُصَدِّقُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ زَيْدٌ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ كَانَ زَيْدٌ مُصَدِّقًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ أَيْضًا تَصْدِيقًا انْدِرَاجِيًّا لَا تَفْصِيلِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدِّقًا لَهُ حَتَّى يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: دَفْعًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ وَقَوْلُهُ: لِلتَّنَاقُضِ أَيْ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَصْدُ إعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْقَوْمِ أَظْهَرُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ جُعِلَ مُشَبَّهًا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَبِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِقِسْمَيْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>