للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ

(وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى) فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ لَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَفِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ خِلَافَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهُمَا

ــ

[حاشية العطار]

الِاصْطِلَاحِيَّةُ

(قَوْلُهُ: أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ) وَتَسْمِيَتُهُ مَفْهُومًا بِاعْتِبَارِ فَهْمِ السَّامِعِ لَهُ مِنْ اللَّفْظِ وَمَعْنًى بِاعْتِبَارِ عِنَايَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَصْدِهِ إيَّاهُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا

(قَوْلُهُ: وَالْوَضْعُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فَأَلْ لِلْعَهْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَعْلِ اللَّفْظِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْوَضْعِ لَقَالَ جَعَلَ الشَّيْءَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى لَا تَتَقَيَّدُ إفَادَتُهُ لَهُ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ قَرِينَةٍ وَيُسَمَّى وَضْعًا شَخْصِيًّا كَزَيْدٍ عَلَمًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ بَعْضُ أَقْسَامِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَةٍ لَهُ كُلِّيَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الدَّلَالَةِ الْقَرِينَةُ كَدَلَالَةِ الْمُثَنَّى عَلَى اثْنَيْنِ كَانَ الْمَجَازُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَإِنَّ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَقْتُ اقْتِرَانِ الْقَرِينَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى انْضِمَامُ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ كَانَ الْمَجَازُ مَوْضُوعًا فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ

(قَوْلُهُ: فَيَفْهَمُهُ) لَا يَصِحُّ نَصْبُهُ بِأَنَّ مُضْمَرَةٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ جَعْلُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْفَهْمَ قَيْدٌ فِي تَعْرِيفِ الْوَضْعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَضْعَ كَافٍ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْفَهْمِ فَهَذَا الْحَدُّ مُسَاوٍ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي صِدْقِ شَيْءٍ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ لَا أَحَدُهُمَا فَمَا رَامَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ انْدِرَاجِ وَضْعِ الْمَجَازِ بِأَقْسَامِهِ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فَيَفْهَمُهُ إلَخْ وَالصَّوَابُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّ الْمَجَازَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَلْبَتَّةَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْوَضْعِ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ.

وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَأَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الدَّالُّ هُوَ اللَّفْظُ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ وَأَنَّ تَفْسِيرَ الْوَضْعِ بِتَعْيِينِ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ لَهُ.

وَقَدْ بَسَطَ الْمُحَقِّقُ الْعِصَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى ذَلِكَ الشَّرْحِ

(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ) أَيْ فَهُوَ فَهْمُ تَذْكِيرٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَضْعَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ) الْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْوَضْعَ سِتَّةُ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَجَازِ وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْجَعْلَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ وَيَصْدُقُ بِكَوْنِ الْجَاعِلِ وَاضِعَ اللُّغَةِ أَوْ الشَّارِعِ أَوْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِقِسْمَيْهِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ ذِكْرِ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَعَ انْقِسَامِهِ) عَبَّرَ هُنَا بِالِانْقِسَامِ وَفِي الْحَقِيقَةِ بِالتَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الْحَقِيقَةَ فَقَطْ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ انْقِسَامُ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَالِانْقِسَامُ أَثَرُ التَّقْسِيمِ

(قَوْلُهُ: إلَى مِثْلِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ " مِثْلِ "؛ لِأَنَّ أَقْسَامَ الْمَجَازِ غَيْرُ أَقْسَامِ الْحَقِيقَةِ فَالْمَاصَدَقَ مُخْتَلِفٌ (قَوْلُهُ: يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَجَازِ أَوْ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَصْرِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ) أَيْ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْوَضْعَ الْعُرْفِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَحَاصِلُ رَدِّهِ أَنَّ الْوَضْعَ جَعْلُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>