للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاضِعُ دُونَ الْبَشَرِ (وَ) قَالَ (أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ) هِيَ (اصْطِلَاحِيَّةٌ) ، أَيْ: وَضَعَهَا الْبَشَرُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ (حَصَلَ عِرْفَانُهَا) لِغَيْرِهِ مِنْهُ (بِالْإِشَارَةِ، وَالْقَرِينَةِ كَالطِّفْلِ) ؛ إذْ يَعْرِفُ لُغَةَ (أَبَوَيْهِ) بِهِمَا وَاَسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] ، أَيْ: بِلُغَتِهِمْ، فَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى الْبِعْثَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً، وَالتَّعْلِيمُ بِالْوَحْيِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَتَأَخَّرَتْ عَنْهَا (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ) إلَيْهِ مِنْهَا (فِي التَّعْرِيفِ) لِلْغَيْرِ (تَوْقِيفٌ) يَعْنِي: تَوْقِيفِيٌّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ) لِكَوْنِهِ تَوْقِيفِيًّا، أَوْ اصْطِلَاحِيًّا (وَقِيلَ: عَكْسُهُ) ، أَيْ: الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ اصْطِلَاحِيٌّ (وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ) وَلِلتَّوْقِيفِيِّ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْأَوَّلِ تَنْدَفِعُ بِالِاصْطِلَاحِ (وَتَوَقَّفَ كَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ أَدِلَّتِهَا (، وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَنْ الْقَطْعِ) بِوَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهَا لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ (وَإِنَّ التَّوْقِيفَ) الَّذِي هُوَ أَوَّلُهَا (مَظْنُونٌ) لِظُهُورِ دَلِيلِهِ دُونَ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ اللُّغَةِ عَلَى الْبَعْثَةِ أَنْ تَكُونَ اصْطِلَاحِيَّةً لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ تَوْقِيفِيَّةً وَيَتَوَسَّطُ تَعْلِيمُهَا بِالْوَحْيِ بَيْنَ النُّبُوَّةِ، وَالرِّسَالَةِ

ــ

[حاشية العطار]

أَوْ عُلِّمَ مَا سَبَقَ وَضْعُهُ.

(قَوْلُهُ: دُونَ الْبَشَرِ) لَمْ يَقُلْ، وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢] صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ غَيْرُ.

(قَوْلُهُ: اصْطِلَاحِيَّةٌ) قِيلَ لَوْ كَانَتْ اصْطِلَاحِيَّةً لَجَازَ التَّغْيِيرُ بِأَنْ تَنْمَحِيَ وَتُنْسَى تِلْكَ اللُّغَاتُ بِوَاسِطَةِ قَوْمٍ حَدَثُوا وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَنْ الشَّرْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرَةٌ نَعَمْ تَرْتَفِعُ الثِّقَةُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ.

(قَوْلُهُ: حَصَلَ عِرْفَانُهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ اصْطِلَاحِيَّةً لَاحْتِيجَ فِي تَعْلِيمِهَا إلَى اصْطِلَاحٍ آخَرَ ضَرُورَةَ تَعْرِيفِهِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ، وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تَوْقِيفَ فَيُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ وَيَتَسَلْسَلُ، أَوْ يَدُورُ.

(قَوْلُهُ: بِالْإِشَارَةِ) كَخُذْ هَذَا الْكِتَابَ وَقَوْلُهُ، وَالْقَرِينَةُ كَهَاتِ الْكِتَابَ مِنْ الْخِزَانَةِ مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَ اسْمٌ لِهَذَا الشَّيْءِ الْمَخْصُوصِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ: بِلُغَتِهِمْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.

(قَوْلُهُ: لَتَأَخَّرَتْ عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ الْبِعْثَةِ، وَالْغَرَضُ أَنَّهَا سَابِقَةٌ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَلْزَمُ أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ، وَمُتَأَخِّرَةٌ، وَذَلِكَ دَوْرٌ وَأُجِيبَ بِانْقِطَاعِ الدَّوْرِ بِأَنْ يُوحِيَ إلَيْهِ بِهَا فَيَعْلَمُهَا، ثُمَّ يُعْلِمُهَا، ثُمَّ يُبْعَثُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي: تَوْقِيفِيٌّ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ الْأَمْرُ التَّوْقِيفِيُّ لَا التَّوْقِيفُ وَلِتَصْحِيحِ الْحَمْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا يُقَالُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفٌ.

(قَوْلُهُ: لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ فَيُوقِفُهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَضْلًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ مُحْتَمِلٌ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَدْعُو إلَى الِاصْطِلَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّوْقِيفِ، وَالِاصْطِلَاحِ وَغَيْرُهُ تَوْقِيفِيٌّ وَالشَّارِحُ فَسَّرَ الْعَكْسَ بِمَا ذُكِرَ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ:، وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ) قَالَ فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ إنَّ النِّزَاعَ إنْ كَانَ فِي الْقَطْعِ، فَالصَّحِيحُ التَّوَقُّفُ، وَإِنْ كَانَ فِي الظُّهُورِ، فَالظَّاهِرُ قَوْلُ الشَّيْخِ.

(قَوْلُهُ: مَظْنُونٌ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ تَعْيِينُ الْوَاضِعِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ دَلِيلِهِ) ؛ إذْ قَدْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ سِمَاتُ الْأَشْيَاءِ وَخَصَائِصُهَا مِثْلُ أَنْ يُعَلِّمَهُ تَعَالَى أَنَّ الْخَيْلَ لِلرُّكُوبِ، وَالْجَمَلَ لِلْحَمْلِ، وَالْحَمَلَ لِلْأَكْلِ، وَالثَّوْرَ لِلْحَرْثِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَعَانِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْأَلْفَاظُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ أَلْفَاظًا سَبَقَ وَضْعُهَا لِمَعَانٍ مِنْ أَقْوَامٍ قَبْلَهُ؛ إذْ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ قَبْلَ آدَمَ مِرَارًا مُتَكَثِّرَةً طَوَائِفَ مُخْتَلِفَةً مِنْ النَّاس وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ آدَم.

وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ حَدِيثَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مِائَةَ أَلْفِ آدَمَ» .

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) أَيْ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ السَّابِقُ.

(قَوْلُهُ: وَيَتَوَسَّطُ تَعْلِيمُهَا إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ سَابِقَةٌ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ؛ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَحْيِ بِهَا أَنَّهُ نَبِيٌّ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ، وَالرِّسَالَةَ الْإِيحَاءُ بِالشَّرَائِعِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ كَانَ تَعَلُّمُهُ لِلْأَسْمَاءِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ إلَّا بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ، أَوْ يُقَالُ إنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلْبَعْثَةِ وَنَفْسُ الْإِيحَاءِ بِهَا بِعْثَةٌ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرِّسَالَةُ سَابِقَةً، وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>