للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمِنْ بِنَائِهِمْ) عَلَى التَّجْوِيزِ (اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ذَابِحٌ) ، أَيْ: ابْنَهُ إسْمَاعِيلَ حَيْثُ أَمَرَّ عِنْدَهُمْ آلَةَ الذَّبْحِ عَلَى مَحَلِّهِ مِنْهُ لِأَمْرِ اللَّهِ إيَّاهُ بِذَبْحِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: ١٠٢] إلَخْ (وَاخْتِلَافُهُمْ هَلْ إسْمَاعِيلُ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (مَذْبُوحٌ) فَقِيلَ نَعَمْ، وَالْتَأَمَ مَا قُطِعَ مِنْهُ وَقِيلَ لَا، أَيْ: لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْقَائِلُ بِهَذَا أَطْلَقَ الذَّابِحَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُمِرٌّ آلَتَهُ عَلَى مَحَلِّهِ فَمَا خَالَفَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا هُنَا أَنْسَبُ بِالْمَقْصُودِ مِمَّا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إسْمَاعِيلَ غَيْرُ مَذْبُوحٍ، أَيْ: غَيْرُ مُزْهَقِ الرُّوحِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ إبْرَاهِيمُ ذَابِحٌ، أَيْ: قَاطِعٌ فَمُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ

ــ

[حاشية العطار]

لِأَنَّ الْقَدِيمَ لِذَاتِهِ هُوَ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ وَصِفَاتُهُ الذَّاتِيَّةُ وَجَبَتْ لِلذَّاتِ لَا بِالذَّاتِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ بِنَائِهِمْ إلَخْ) قَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّ ابْتِنَاءَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؛ إذْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ النُّسَخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا سَيَأْتِي فَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخُ الْحُكْمُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ إذْ أَمَرَهُ بِالذَّبْحِ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، وَهُمْ مَنَعُوا ذَلِكَ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ تَارَةً بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ إلَّا بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ.

وَقَدْ أَتَى بِهَا وَتَارَةً يَقُولُونَ، بَلْ أَتَى بِالذَّبْحِ وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا مَوْضُوعًا، وَهُوَ أَنَّهُ ذَبَحَ، وَلَكِنْ الْتَأَمَ مَوْضِعُ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ مَكَانَهُ وَبِالْجُمْلَةِ ذَبَحَ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ الذَّبْحُ فِعْلٌ قَائِمٌ بِالذَّابِحِ، وَإِنْ ذَهَبُوا إلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الضَّرْبَ قَائِمٌ بِالْمَضْرُوبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَلَا دَاعِي لِمَا تَمَحَّلَ بِهِ سم فِي رَدِّهِ، وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَقَّ حَقِيقٌ بِالِاتِّبَاعِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى التَّجْوِيزِ) ، أَيْ: يَلِي تَجْوِيزَ اشْتِقَاقِ الِاسْمِ مِنْ وَصْفٍ مَعْدُومٍ.

(قَوْلُهُ: إنِّي أَرَى) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ. وَحْيٌ لِذَلِكَ بَادَرَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه إلَى الْمُبَادَرَةِ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فَقَوْلُهُ {أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: ١٠٢] ، أَيْ: أُمِرْت بِذَبْحِك بِدَلِيلِ {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢] لِيَحْسُنَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ بِذَبْحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُهُمْ) عَطْفٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ، فَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْبِنَاءِ.

(قَوْلُهُ: فَالْقَائِلُ بِهَذَا) أَيْ بِأَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْ الشَّارِحِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَطْلَقَ الذَّابِحَ بِمَعْنَى الْقَاطِعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَهَذَا مُجَارَاةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَصَاحِبُ هَذَا الْقِيلِ قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِمَعْنَى أَنَّ إمْرَارَ الْآلَةِ قَائِمٌ بِهِ فَلَا خِلَافَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَكِنْ إلَخْ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَلِذَا قَالَ فَمَا خَالَفَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْ قَاعِدَةَ الِاشْتِقَاقِ إلَّا أَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ الذَّبْحِ عَلَى الْأَمْرِ مَجَازًا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي صِفَةِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَمْ يُخَالِفْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ.

(قَوْلُهُ: أَنْسَبُ بِالْمَقْصُودِ) وَجْهُ الْأَنْسَبِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ أَيْ بَعْضَهُمْ يُطْلِقُ لَفْظَ ذَابِحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ ذَبْحٌ، أَيْ: قَطْعٌ لِلْمَحَلِّ الْخَاصِّ وَلَفْظَ مَذْبُوحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ ذَبْحٌ بِمَعْنَى الزُّهُوقِ، وَمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ فَقَطْ.

وَأَمَّا مَا تَضْمَنَّهُ مِنْ نَفْيِ الْمَذْبُوحِيَّةِ بِمَعْنَى الزَّهُوقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ مَعْنَاهَا بِإِسْمَاعِيلَ، أَيْ: لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ، فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَقِّ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْوَصْفُ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِقَوْلِهِمْ.

(قَوْلُهُ: بِالْمَقْصُودِ) ، وَهُوَ بِنَاءُ قَوْلِهِمْ هَذَا عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ لَنَا فِي قَاعِدَةِ الِاشْتِقَاقِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا يُفِيدُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ ذَابِحٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّ إسْمَاعِيلَ مَذْبُوحٌ عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا نَفْيُ الْمَذْبُوحِيَّةِ عَمَّنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الذَّبْحُ بِمَعْنَى زُهُوقِ الرُّوحِ فَجَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَعَدَمُ الزَّهُوقِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.

(قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ) ، أَيْ: لَمْ يَقُلْهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ كَمَا صَنَعَ هُنَا، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُمْ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ.

(قَوْلُهُ: فَمُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِمْرَارَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْقَطْعَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِزْهَاقِ فَاتِّفَاقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدِّي وَاحِدًا كَانَ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ فَصَحَّ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا لَمْ يُمِرَّ الْخَلِيلُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>