للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لُغَةً (إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ)

ــ

[حاشية العطار]

بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ وَشُمُولٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْكُفَّارَ الْمُنْكَرِينَ لَمْ يَمَسَّهُمْ الِانْقِيَادُ أَصْلًا وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ وَضْعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْجَمِيعِ وَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْجَمَادَاتِ إلَّا مُنْكِرُ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ اهـ.

وَبَحَثَ فِيهِ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالِانْقِيَادِ امْتِثَالُ التَّكَالِيفِ لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ أُرِيدَ امْتِثَالُ حُكْمِ التَّكْوِينِ، أَوْ مُطْلَقُ الْإِطَاعَةِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، وَذَاكَ فَشُمُولُهُ لِكَافَّةِ النَّاسِ ظَاهِرٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بِمَعْنًى آخَرَ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ، أَوْ امْتِثَالِ التَّكَالِيفِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ لَا وَضْعُ الرَّأْسِ؛ إذْ لَيْسَ وَضْعُ الرَّأْسِ مِنْ الْقَفَا سُجُودًا وَلَوْ سُلِّمَ فَإِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الرَّأْسِ فِي مِثْلِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ السَّمَاوِيَّاتِ مُشْكِلٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ أَلَمْ تَرَ وَقَوْلُهُ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحَالَتِهِ إلَخْ فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وُجُوهٌ وَلَا حَيَاةَ كَالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِاسْتِحَالَةِ الْمَشْيِ بِالْأَرْجُلِ، وَالْبَطْشِ بِالْأَيْدِي وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْخَوَارِقِ اهـ.

وَأَجَابَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ، أَوْ الْمُرَادَ هُنَا وَاحِدٌ حَاصِلٌ لِلْكُلِّ لَا أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرَكِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى الْوَاحِدِ مَعْنًى حَقِيقِيًّا كَمَا قَالَ فِي {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦] أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ثَمَّةَ وَاحِدًا حَقِيقِيًّا كَالدُّعَاءِ، أَوْ مَجَازِيًّا كَإِرَادَةِ الْخَيْرِ وَبِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْوُجُوهِ، وَالْحَيَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ وَضْعِ الرَّأْسِ كَمَا أَنَّ انْتِفَاءَ الْأَرْجُلِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ الْبَطْشِ بِالْأَيْدِي اهـ.

وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: ٤٤] فَإِنَّ تَسْبِيحَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ بِلِسَانِ الْحَالِ وَتَسْبِيحِ مَنْ فِيهِنَّ بِلِسَانِ الْمَقَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْعَامِلِ فِي مَنْ، أَيْ: وَيُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِيهِنَّ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْبِيحِ مُطْلَقُ التَّعْظِيمِ، أَوْ أَنَّ التَّسْبِيحَ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] يُحَقِّقُ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى، وَمَا قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ، وَالْوَحْدَانِيَّةِ، وَمَنْعِ أَنَّ، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ لَا يُنَاسِبُهُ، بَلْ يُنَاسِبُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَفْهَمُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةَ وَلَا يَعْرِفُونَهَا لِإِخْلَالِهِمْ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ اهـ.

مَمْنُوعٌ أَمَّا أَوَّلًا فَدَعْوَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى التَّأْوِيلِ طَرِيقُ إثْبَاتِهَا الِاسْتِقْرَاءُ وَلَا يُمْكِنُ لِعَدَمِ الْإِحَاطَةِ بِالْمُفَسِّرِينَ كُلِّهِمْ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ.

وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا إنْكَارَهَا رَأْسًا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِأُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ

وَهَلْ فِي الَّتِي دَانُوا لَهَا وَتَعَبَّدُوا ... لِذَاتِك نَافٍ أَوْ لِوَصْفِك جَاحِدُ

هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي تَفْقَهُونَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، أَوْ لِلْجَمِيعِ، فَالْمُنَاسَبَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ ظَاهِرَةٌ.

(قَوْلُهُ: لُغَةً) زَادَهُ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بِالصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَيَيْهِ) سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ فِي حَقِيقَتَيْهِ نَحْوَ تَرَبَّصِي قُرْءًا، أَيْ: طُهْرًا، أَوْ حَيْضًا أَمْ فِي مَجَازِيَّةٍ، أَوْ حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ نَحْوِ لَا أَشْتَرِي وَيُرِيدُ السَّوْمَ وَشِرَاءَ الْوَكِيلِ، أَوْ الشِّرَاءَ الْحَقِيقِيَّ، وَالسَّوْمَ، وَالثَّلَاثَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي اهـ.

زَكَرِيَّا قَالَ سم يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي هَذَا التَّعْمِيمَ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ قُبَيْلَ مَبْحَثِ الْعِلْمِ وَعَكْسُهُ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا فَمُشْتَرِكٌ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ اهـ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ، وَالْحَقِيقِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَالثَّلَاثَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُ الْآتِي وَفِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ الْخِلَافُ، ثُمَّ قَالَ، وَكَذَا الْمَجَازَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>