للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَعَنْ الْقَاضِي) هُوَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُعَيِّنَةِ، وَالْمُعَمِّمَةِ (مُجْمَلٌ) ، أَيْ: غَيْرُ مُتَّضِحِ الْمُرَادِ مِنْهُ (وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيُّ (وَالْغَزَالِيُّ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ) بِهِ مَا ذَكَرَ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَقْلًا (لَا أَنَّهُ) أَيْ مَا يُرَادُ مِنْ مَعْنَيَيْهِ (لُغَةٌ) لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِمُخَالَفَتِهِ لِوَضْعِهِ السَّابِقِ؛ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي كُلٍّ

ــ

[حاشية العطار]

بَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ قِسْمَيْهِ مُخْتَلِفُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَضُرُّهُ تَسْمِيَتُهُ عَامًّا وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُخْتَلِفِ الْحَقِيقَةِ.

(قَوْلُهُ:، وَعَنْ الْقَاضِي إلَخْ) مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاَلَّذِي فِي تَقْرِيبِ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ وَيَبْعُدَانِ يُقَالُ هَذَا مُقَيِّدٌ لِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ظَاهِرٌ قَالَ سم فِي إطْلَاقَةِ نَظَرٌ؛ إذْ الِاحْتِيَاطُ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَمْلِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ اهـ.

يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا كَأَنْ يُقَالَ إنْ رَأَيْت الْعَيْنَ فَلَا تَأْكُلْ السَّمَكَ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ؛ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُعَلَّقًا بِرُؤْيَةِ جَمِيعِ الْمَعَانِي وَبِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالِاحْتِيَاطُ هُنَا الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهَا لَا كُلِّهَا.

(قَوْلُهُ: وَالْغَزَالِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكُورَانِيُّ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرِكِ الْمَعْنَيَانِ لَا لُغَةً.

وَفِي شُرُوحِهِ، أَيْ: لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَاقَ عِبَارَةَ الْغَزَالِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا مَجَازَ، بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَعْنًى مَجَازِيًّا لِيَشْمَلَ الْمَعَانِي الْمُرَادَةَ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ نَقُولُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَسْتَعْمِلَ لَفْظًا عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ اسْتِعْمَالًا لَا صَحِيحًا وَلَا يَكُونُ مَجَازًا وَلَا حَقِيقَةً.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي غَيْرِ الْمُسْتَصْفَى؛ لِأَنَّ كُتُبَهُ الْأُصُولِيَّةَ تَنْحَصِرُ فِيهِ وَلَا مُفَادَاتُهُ الْأَصْلِيَّةُ مُخْتَصَّةً بِكُتُبِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ الْمَذْكُورُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَصْفَى، أَوْ مِنْ مُفَادَاتِهِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ فِي كُتُبِهِ وَالْمُصَنِّفُ ثِقَةٌ مُطَّلِعٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى قُبَيْلَ مَا نَقَلَهُ الْكُورَانِيُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ: احْتَجَّ الْقَاضِي، أَيْ: عَلَى صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ مِنْ مَعْنَيَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اللَّفْظ مَرَّتَيْنِ وَأَرَادَ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى آخَرَ جَازَ فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيُرِيدُ بِهِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَعَ صَلَاحِ اللَّفْظِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِلَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ فَنَقُولُ إنْ قَصَدَ بِاللَّفْظِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ لَكِنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ الْوَضْعَ كَمَا فِي لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ اسْمَ الْعَيْنِ لِلذَّهَبِ، وَالْعُضْوِ الْبَاصِرِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ اهـ.

فَقَوْلُهُ فَنَقُولُ إنْ قَصَدَ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَيَانِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ، بَلْ نَقُولُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يُسْتَعْمَلَ لَفْظٌ عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ إلَخْ، فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَشُرَّاحَهُ لَمْ يَدَّعُوا عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرِكَ اُسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَإِنْ صَحَّ عَقْلًا أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الْمَعْنَيَانِ فَانْظُرْ بُعْدَ أَحَدِ الْمَقَامَيْنِ عَنْ الْآخَرِ اهـ.

هَذَا مُحَصِّلُ مَا قَالَهُ وَأَقُولُ إنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْخَصْمِ وَلَيْسَ مِنْ الْقَوَانِينِ الْمُوَجَّهَةِ، وَإِنْ كَثُرَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاصِرِ.

وَأَمَّا مَا سَاقَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُسْتَصْفَى قَائِلًا إنَّهُ عَيْنُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ عَبَّرَ بِالْإِمْكَانِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِمْكَانِ الْفَرْضِيِّ، وَالْإِمْكَانِ الْوُقُوعِيِّ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يُرَجِّحُ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا.

وَقَدْ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ شُمُولَهُ لِلْكَافِرِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ الْعَقْلِيِّ فَقَوْلُهُ، فَهَذَا مُمْكِنٌ، أَيْ: يُمْكِنُ فَرْضُهُ.

وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَدْ عَبَّرَ بِلَفْظِ الصِّحَّةِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا الْحُصُولُ بِالْفِعْلِ، أَوْ الْغَرَضِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ وَكِلَاهُمَا لَا يَتِمُّ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ وَفِيهِ أَنَّ غَايَتَهُ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُوَافَقَتُهُ لِلْوَضْعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجَازَ تَابِعٌ لِلْحَقِيقَةِ فَإِذَا كَانَتْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمَعَانِي مُفْرَدَةً فَكَذَلِكَ الْمَجَازُ وَلَا يَخْفَى بُعْدَهُ وَحِينَئِذٍ، فَالدَّلِيلُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ: لِوَضْعِهِ السَّابِقِ) ، أَيْ: عَلَى الِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَضْعٍ آخَرَ (إذْ قَضِيَّتُهُ إلَخْ) فَإِنَّهُ وُضِعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْآخَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>