اخْتَارَهُ مَذْهَبًا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ) وَيَجِبُ لِمَصْدَرٍ الْمَجَازِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ إلَّا إذَا سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً كَالرَّحْمَنِ
ــ
[حاشية العطار]
فَأَيُّ لُزُومٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَقَّ إذَا كَانَ مَجَازًا يَكُونُ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِيَصِيرَ حَقِيقَةً فَإِنْ نَظَرَ إلَى الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ لِكَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ إذْ هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ اسْتِيعَابُهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى خُصُوصِ لَفْظِ رَحْمَنٍ وَأَنَّ مَصْدَرَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَكِنْ لَا يُجْدِيهِ نَفْعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عُلَمَاءَ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ مُجْمِعُونَ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَحَدٌ فَلَا يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ اهـ.
وَأَجَابَ سم بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي مِثْلِ مَا هُنَا الِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَجَازُ مِنْ الْجَوَازِ وَالِانْتِقَالِ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ اُسْتُحْسِنَ عِنْدَ الْعَقْلِ اعْتِبَارُ سَبْقِ اسْتِعْمَالِ أَصْلِهِ حَقِيقَةً لِيَظْهَرَ مَعْنَى الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اهـ.
وَأَقُولُ هَذَا حُكْمٌ لَفْظِيٌّ طَرِيقُهُ النَّقْلُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْبُلَغَاءِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَكَانَ يَكْفِي الْكُورَانِيَّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ وَلَا سَنَدَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ وَسَّعَ دَائِرَةَ الْبَحْثِ بِمَا زَادَهُ فَالْجَوَابُ فِي مِثْلِهِ إثْبَاتُ سَنَدٍ لِلْمُصَنِّفِ بِعَزْوِ هَذَا الْخِلَافِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَوْ سَرْدِ مَوَارِدَ وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ كَالرَّحْمَنِ فَالْعُدُولُ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْجَادَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا يَجِبُ سَبْقُ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ مُشْتَقُّهُ مَجَازًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَيَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمَجَازِ إلَخْ أَيْ يَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ الَّذِي تَجَوَّزَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَصْدَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَوْلُ النَّاصِرِ لَوْ قَالَ لِلْمَصْدَرِ الْمَجَازِ بِالنَّعْتِ لَا الْإِضَافَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَصْدَرُ الْمَجَازَ الَّذِي لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ.
مَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُسْتَعْمَلِ مَجَازًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْإِرَادَةِ لِلْمُصَنِّفِ وَلَا يَشْمَلُ الَّذِي لَمْ يَتَجَوَّزْ فِيهِ بَلْ فِي مُشْتَقَّةِ الَّذِي هُوَ مُرَادٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ) قَالَ النَّاصِرُ يَنْتَقِضُ بِنَحْوِ لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ فَإِنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَصَادِرُهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا اهـ.
وَحَصَلَ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدًا بِمَا لَهُ مَصْدَرٌ فَتَخْرُجُ الْمَذْكُورَاتُ إذْ لَا مَصَادِرَ لَهَا وَيَتَكَلَّفُ الْفَرْقَ بِنَحْوِ أَنَّ مَا لَهُ مَصْدَرٌ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ وُجُودُهُ تَفَرُّعًا مُحَقَّقًا فَنَاسَبَ أَنْ يَتَفَرَّعَ تَجَوُّزُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا مَصْدَرَ لَهُ أَوْ يُقَالُ إنَّ كَوْنَ هَذَا الْمَذْكُورَاتِ مَوْضُوعَةً فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ حَتَّى لَزِمَ الْآنَ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مُجَرَّدِ الْحَدَثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَمَادَّةُ النَّقْضِ لَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ.
(قَوْلُهُ: كَالرَّحْمَنِ) تَمْثِيلٌ لِلْمُشْتَقِّ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِ مَجَازٌ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ إلَخْ بَيَانٌ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَتِهِ وَبِهَذَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لَهُ تَعَالَى فَهُوَ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ التَّمْثِيلُ عَلَى نَفْيِ اسْتِعْمَالِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَوْلُ سم إنَّ التَّجَوُّزَ فِي الرَّحْمَنِ يَقْتَضِي عَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ سَبْقَ اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى رِقَّةِ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ السَّبْقِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ اهـ