وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّبَادُرَ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تُعْرَفُ بِهِ الْحَقِيقَةُ (وَصِحَّةُ النَّفْيِ) كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْحِمَارِ عَنْهُ (وَعَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ) فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَطَّرِدَ كَمَا فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ أَهْلَهَا فَلَا يُقَالُ وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ أَيْ صَاحِبَهُ
ــ
[حاشية العطار]
كَانَ الْغَيْرُ مَحْصُورًا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَالتَّبَادُرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَلَا يَرِدُ الْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّبَادُرِ إنَّمَا هُوَ إذَا الْتَفَتَ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى حِدَتِهِ.
وَأَمَّا إذَا اُلْتُفِتَ لِلْمَجْمُوعِ فَمُتَبَادَرٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَبَادَرٌ عَلَى الْبَدَلِ وَأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ لِانْعِكَاسِ الْعَلَاقَةِ بَلْ لِأَنَّ الْغَيْرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ التَّبَادُرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ الطَّوِيلِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْعَلَاقَةِ لَا تَنْعَكِسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَنْعَكِسُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِخُصُوصِيَّةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَصِحَّةُ النَّفْيِ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ تَنْتَفِي فِي الِاسْتِعْمَالِ نَحْوُ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِهِ الْمَجَازُ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ يُقَابِلُهُ النَّفْيُ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَصِحَّةُ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْإِثْبَاتِ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَمَحَطُّ الْإِثْبَاتِ غَيْرُ مَحَطِّ النَّفْيِ فَلَا تَنَاقُضَ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ مِنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنْ يَعْلَمَ كَوْنَهُ مَجَازًا فَيَنْفِيهِ وَبِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي مَعْنَى جَهْلِ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِيهِ بَلْ فِي مَعْنَى عِلْمِ أَنَّ لَفْظَهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْمُرَادُ فَيُعْرَفُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ كَوْنُهُ مَجَازًا.
(قَوْلُهُ: فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجَازِ اطِّرَادُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَيُسْتَعْمَلُ دَائِمًا فِي إفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ اطِّرَادُهُ.
قَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] هَذَا التَّمْثِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ هُنَا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَلَيْسَ مَجَازًا بِالْحَذْفِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إنَّ مَعْنَى الِاطِّرَادِ فِيهِ اسْتِعْمَالُ نَظَائِرِهِ فِي نَظَائِرِ مَعْنَاهُ لَا بِاسْتِعْمَالِهِ هُوَ فِي أَفْرَادِ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاطِّرَادِ.
(قَوْلُهُ: وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ) كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَفِي التَّسْهِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فِي إعْرَابِهِ وَقَسَّمَ ذَلِكَ إلَى قِيَاسِيٍّ وَسَمَاعِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ اسْتِقْلَالُ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِالْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣] إذْ الْقَرْيَةُ لَا تُسْأَلُ وَالْعِجْلُ لَا يُشْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فَهُوَ سَمَاعِيٌّ كَقَوْلِهِ
عَشِيَّةَ فَرَّ الْحَارِثِيُّونَ بَعْدَمَا ... قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ