للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ.

(وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَجَنَاحِ الذُّلِّ أَيْ لِينِ الْجَانِبِ وَنَارِ الْحَرْبِ أَيْ شِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ كَالْعَيْنِ الْجَارِيَةِ (وَتَوَقُّفِهِ) فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) نَحْوُ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ حَيْثُ تَوَاطَئُوا وَهُمْ الْيَهُودُ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى مَنْ وَكَلُوا بِهِ قَتْلَهُ وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ ظَنًّا أَنَّهُ عِيسَى وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى قَوْلِهِ أَنَا صَاحِبُكُمْ ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الْآخَرَ فَإِطْلَاقُ الْمَكْرِ عَلَى الْمُجَازَاةِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَجَازِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَلَكِنَّ الشَّارِحَ أَعَادَ جَمِيعَ الضَّمَائِرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَقَدَّرَ الْمُضَافَ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِتَكُونَ الضَّمَائِرُ رَاجِعَةً إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ حَذَرًا مِنْ التَّشْتِيتِ ثُمَّ إنَّهُ نَقَضَ طَرْدَ هَذِهِ الْعَلَامَةِ بِالْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ الْجَمْعُ فِي مَعْنَيَيْهِ كَالذُّكْرَانِ وَالذُّكُورِ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ ضِدِّ الْأُنْثَى، وَالْمَذَاكِيرُ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ.

وَأُجِيبَ أَنَّ هَذَا فِيمَا ثَبَتَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ لَزِمَ الْحَمْلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ يُغْنِي عَنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْجَمْعِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ الْمَجَازِ قَدْ يَخْلُو عَنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: أَيْ لِينِ الْجَانِبِ) تَفْسِيرٌ لِلْجَنَاحِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللِّينِ وَإِضَافَةُ الذُّلِّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ فِي قَرِينَةِ الْمَكْنِيَّةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَمَا فِي أَظْفَارِ الْمَنِيَّةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَوْمِ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازَ فِي الْإِثْبَاتِ فَالْمَجَازُ عَقْلِيٌّ لَا إفْرَادِيٌّ وَهُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّتِهِ) جَرَى فِيهِ عَلَى لُغَةِ تَذْكِيرِهَا وَالْمَشْهُورُ تَأْنِيثُهُمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّاصِرِ مِنْ أَنَّ تَأْنِيثَ الضَّمِيرِ وَاجِبٌ اهـ.

عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا بِالتَّأْوِيلِ بِالْقِتَالِ فَإِنَّهُ قَدْ يُذَكَّرُ الْمُؤَنَّثُ وَيُؤَنَّثُ الْمُذَكَّرُ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ

تَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفًا كَأَنَّمَا ... يَضُمُّ إلَى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا

فَذَكَّرَ وَصْفَ الْكَفِّ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْعُضْوِ، وَالثَّانِي كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَتَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا فَأَنَّثَ ضَمِيرَ الْكِتَابِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الصَّحِيفَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ عَنْ التَّأْنِيثِ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلنَّارِ دُونَ الْحَرْبِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) أَيْ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْعِبَارَةِ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوُجُودُ فِي الْعِبَارَةِ لِتَقْسِيمِهِمْ لَهُ إلَى الْوُجُودِ التَّحْقِيقِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ فَالْأَوَّلُ كَمِثَالِ الشَّارِحِ.

وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: ٩٩] أَيْ مُجَازَاتَهُ لَهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ إذْ التَّقْدِيرُ أَفَأَمِنُوا حِينَ مَكَرُوا مَكْرَ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ وَنُوقِشَ بِأَنْ تَكُونَ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ حَاصِلَةً بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَاقَتَهُ لِوُجُوبِ حُصُولِهَا قَبْلَهُ لِابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُصَاحَبَةِ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ التَّعْبِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>