للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْخَامِسَ عَشَرَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِلتَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَالذِّكْرِيِّ وَلِلتَّعْقِيبِ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ) تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو إذَا عَقَبَ قِيَامُ عَمْرٍو قِيَامَ زَيْدٍ وَدَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ إذَا لَمْ تُقِمْ فِي الْبَصْرَةِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ إلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ مَعَ لَحْظَةِ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَتِهِ وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ الذِّكْرِيَّ وَهُوَ فِي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة: ٣٥] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة: ٣٦] {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: ٣٧] {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣] (وَلِلسَّبَبِيَّةِ) وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ نَحْوُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧] وَاحْتَرَزَ بِالْعَاطِفَةِ عَنْ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ فَقَدْ تَتَرَاخَى عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يُسْلِمْ فُلَانٌ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: ١١٨]

(السَّادِسَ عَشَرَ فِي

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَالذِّكْرِيِّ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ الْفَاءِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ ذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرَ الْآخَرُ بَلْ الْمُرَادُ إنَّ رُتْبَةَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ تَفْصِيلًا لَهُ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُقِمْ) وَمَسَافَةُ السَّيْرِ لَا تُنَافِي التَّعْقِيبَ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ إلَخْ) فَإِنَّهُ وُجُودُ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا كَانَ مَعَ مُهْلَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَازِمًا لِلتَّعْقِيبِ أَنَّهُ مَعْنًى مَوْضُوعٌ لَهُ لَفْظُ الْفَاءِ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا الْحُرُوفُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ لَازِمًا خَارِجًا وَهُنَا التَّرْتِيبُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ جُزْءٌ لِلْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ التَّعْقِيبُ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ مِنْ وَضْعِهِ لِلْأَخَصِّ وَضْعُهُ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ.

(قَوْلُهُ: فِي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ أَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ هِشَامٍ وَمُفَادُ كَلَامِ الرَّضِيِّ عَدَمُ حَصْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مَدْحِ الشَّيْءِ وَذَمِّهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ نَحْوُ {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: ٧٢] إلَخْ وَنَحْوُ {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: ٧٤] .

(قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِيَّةِ) أَيْ أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ عَمَّا قَبْلَهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ.

(قَوْلُهُ: إنْ يُسْلِمْ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الدُّخُولُ بِالْفِعْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ يُؤَوَّلُ إلَى الدُّخُولِ بِاعْتِبَارِ مُكْثِهِ فِي مُدَّةِ الْقَبْرِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاخْتَصَّتْ الْفَاءُ بِالرَّبْطِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُعَاقِبُ الشَّرْطَ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا لَفْظٌ يُفِيدُ التَّعْقِيبَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: ٦١] وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْإِسْحَاتَ لَا يَقَعُ عَقِيبَ الِافْتِرَاءِ لِكَوْنِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِسْحَاتُ أَيْ الِاسْتِئْصَالُ بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ يَجْعَلُ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: ٢٥] إذَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ.

وَقَدْ يَتَجَرَّدُ الْجَوَابُ عَنْ الْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ

مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا

وَأَنْكَرَ الْمُبَرِّدُ ذَلِكَ وَأَنْشَدَ هَكَذَا

مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ

قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ النَّقْلَ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ وَلِأَنَّ رِوَايَتَهُ لَا تُنَافِي تِلْكَ الرِّوَايَةَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَاذٌّ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ إلَخْ) صَحِيحٌ بِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ بِلَا تَقْدِيرِ جَوَابٍ أَمَّا مَعَ تَقْدِيرِهِ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ وَتَقْدِيرُهُ فِي الْآيَةِ إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَلَهُمْ الذُّلُّ كَمَا أَنَّ تَقْدِيرَهُ فِي الَّتِي بَعْدَهَا فَلَهُمْ الْعِزُّ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا سَبَبًا لِلشَّرْطِ لَا جَوَابًا لَهُ.

قَوْلُهُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: ١١٨] قِيلَ إنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَالْمَعْنَى إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك لِأَنَّ الَّذِي يُشَاكِلُ الْمَغْفِرَةَ فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

وَقَدْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَلَيْسَتْ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ إنَّهُ لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَمَتَى نُقِلَ إلَى الَّذِي نُقِلَ إلَيْهِ ضَعُفَ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>