للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمُتَعَلِّقِهِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (أَوْ الِاسْتِئْذَانُ) فِيهِ (فَلِلْإِبَاحَةِ) حَقِيقَةً لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ فِي ذَلِكَ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا حِينَئِذٍ وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةٌ لِلْحَقِيقَةِ (وَقَالَ) الْقَاضِي (أَبُو الطَّيِّبِ) وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ وَ) أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (لِلْوُجُوبِ) حَقِيقَةً كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْإِبَاحَةِ

ــ

[حاشية العطار]

الْوَارِدُ بَعْدَ الْحَظْرِ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ الْكَمَالُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ إذَا حَلَلْتُمْ فَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاصْطِيَادِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَلَا تَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ.

(قَوْلُهُ: لِمُتَعَلِّقِهِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ كَالِانْتِشَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠] .

(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِئْذَانٍ) لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْآتِي بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ مَحَلَّ الْخِلَافِ فَمَقُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ اسْتِئْذَانٍ لَا لِلْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ: فَلِلْإِبَاحَةِ حَقِيقَةً) أَيْ شَرْعًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ إلَخْ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَلَبَةَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ قَالُوا غُلِّبَ فِي الْإِبَاحَةِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بَعْدَ الْحَظْرِ نَحْوُ فَاصْطَادُوا فَانْتَشِرُوا إلَخْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوُجُوبِ الَّذِي عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَهَذَا قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ فُصُولِ الْبَدَائِعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ الْغَلَبَةَ لِوُرُودِهَا لِلْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: ٥] وَكَالْأَمْرِ بِالصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَبِالْقَتْلِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِقَطْعٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ حَرْبٍ وَبِالْحُدُودِ لِلْجِنَايَاتِ، وَفَهْمُ الْإِبَاحَةِ مِمَّا ذَكَرُوا بِالنُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ أَوْ بِالْقَرَائِنِ اهـ.

وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ مُعَارِضَةٌ لِأَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَهُنَاكَ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ سَالِمٌ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ السَّابِقَةِ إفَادَةُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَوُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ لَا يَدْفَعُهُ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحُرْمَةَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْعَامُّ لَا يُدَافِعُ الْخَاصَّ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ لِوُجُوبِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الدَّافِعِ فَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ اهـ.

وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ يُشْكِلُ كَمَا قَالَ سم لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا إذَا جَازَ وَجَبَ لِشُمُولِ الْجِوَارِ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا وَرَدَتْ صِيغَةُ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا وَرَدَ جَوَازُ شَيْءٍ هُوَ مَحْظُورٌ إذْ هَذَا لَا يَقْتَضِي مَعْنًى فَارِقًا بَيْنَهُمَا بَلْ قَدْ يُقَالُ وُرُودُ صِيغَةِ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ وُرُودِ الْجَوَازِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَى وُرُودُ الْجَوَازِ بَعْدَ الْحَظْرِ الْوُجُوبَ فَاقْتِضَاءُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ أَوْلَى وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْحَظْرُ السَّابِقُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَالْخِتَانِ فَإِنَّ قَطْعَ الْقُلْفَةِ لَمْ يَقَعْ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ بَلْ دَخَلَ تَحْرِيمُهُ تَحْتَ تَحْرِيمِ قَطْعِ عُضْوِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِأَنَّ أَفْرَادَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهَا مَنْصُوصَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْمُوَافِقُ لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ هَذَا.

وَقَدْ نَقَضَ الْمُصَنِّفُ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَسُجُودِ السَّهْوِ وَزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي الْخُسُوفَيْنِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ وَإِنْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ الْكَسُوبُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَهَا مَمْنُوعَةً لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعَامِلُ عَبْدَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ.

ثُمَّ يَرِدُ إشْكَالٌ آخَرُ عَلَى جَعْلِهَا حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ وَكَذَا فِي النَّدْبِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ بِأَنَّ جَوَازَ التَّرْكِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِمَا فَيُبَايِنَانِ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى افْعَلْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَكَانَ الْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِهِمَا حَقِيقَةً فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُمَا.

وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي غَيْرُ مَأْمُورٍ بِصَلَاةِ الضُّحَى وَصَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ» بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ إنَّهُ فِيهِمَا مَجَازٌ وَلَكِنْ نَقَلَ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهَا بَعْضُ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالشَّيْءُ فِي بَعْضِهِ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَالْإِنْسَانِ فِي الْأَعْمَى وَالْأَشَلِّ اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُرُودِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: السَّمْعَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا.

(قَوْلُهُ: لِلْوُجُوبِ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالْمُوَافِقُ لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَالِاسْتِئْذَانِ.

(قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مَشْهُورًا فَلَا يُعَارِضُ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>