للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَمَسْحِ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ الْمَسْحِ الصَّادِقِ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَبِغَيْرِهِ، وَمَسْحُ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مِنْ ذَلِكَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ) صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِنِكَاحٍ بِدُونِ وَلِيٍّ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَلَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ الْمُرَجِّحُ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ قُرْبُهُ مِنْ نَفْيِ الذَّاتِ، فَإِنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَقَدْ يُعْتَدُّ بِهِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لَا يَصِحُّ رَفْعُ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ وُجُودِهَا حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أُمُورٍ

ــ

[حاشية العطار]

لَهُ خَبَرًا، وَلَوْ جَعَلَهُ مَجْرُورًا صَحَّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. ز.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ) يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلُهُ: وَنَحْوُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وَكَانَ الشَّارِحُ اعْتَمَدَ فِيهِ ضَبْطَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: آيَةُ السَّرِقَةِ لَكَانَ طَرِيقُ إدْرَاجِهِ أَنْ يُقَالَ: وَلَا إجْمَالَ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: لَا إجْمَالَ فِيهِ) أَيْ عِنْدَنَا وَكَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا إنَّهُمْ أَوْجَبُوا مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ قَالُوا: إنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَتُوجِبُ التَّصَادُقَ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ وَالرَّأْسَ الْمَجْمُوعَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُجْزِئُ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ عِنْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْفِعْلِ بِمَعْنَى مَاصَدَقَاتِهِ لَا الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَاضٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إنَّمَا تُرَادُ عُرْفًا لِلِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِهِ) الشَّامِلِ لِلْكُلِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا لِلْمُرَادِ هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ؛ إذْ هُوَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّةِ الْيَدِ كُلَّ الْمَمْسُوحِ اجْتِمَاعًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّتِهَا الْبَعْضَ كَمَا فِي مَسَحْت يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ الْمَجَازُ فَيُجْعَلُ لِلْمُشْتَرَكِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَسْحُ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ يُقَالُ فِي نَفْيِ الْإِجْمَالِ إنَّهُ لُغَةً لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَهُوَ الْكُلُّ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْكُلِّ لِلْمُقْتَضَى، وَعَدَمِ الْمَانِعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّي فَلَا إجْمَالَ، وَإِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِلْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَعْضِ لِلْعُرْفِ الطَّارِئِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيِّ فَلَا إجْمَالَ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا دَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ تَبَيَّنَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ فَهُوَ أَنَّ الْبَاءَ مَتَى دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوْعِبُهُ دُونَ الْآلَةِ نَحْوُ مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ بِيَدِي وَمَتَى دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا يَسْتَوْعِبُهُ كَمَا فِي الْآيَةِ فَيَقْتَضِي مَمْسُوحِيَّةَ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَعْضِ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِ غَسْلِ الْوَجْهِ فَيَكُونُ مُجْمَلًا لِاحْتِمَالِ السُّدُسِ وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعُ غَيْرُهُمَا كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَهُوَ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ نَفَوْا صِحَّتَهُ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا صِحَّةَ لِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا هَذَا، وَثَانِيهَا «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَثَالِثُهُمَا «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا) فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ الْمَنْفِيَّ فِي الْحَدِيثِ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ الْمَوْجُودُ حِسًّا بِدُونِ وَلِيٍّ لَا يُقَالُ لَهُ: نِكَاحٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِلصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِهَذَا الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ: قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ إلَخْ.

وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاسِدِ مِنْ النِّكَاحِ نِكَاحًا (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ أَيْ بَلْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ اهـ. ز.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ يَعْتَدِيهِ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>