للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً، وَهُمْ الْعَرَبُ (وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ) الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَخْصِيصًا) ؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَشْخَاصِ (فَقِيلَ: خَالَفَ) فِي وُجُودِهِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ (فَالْخُلْفُ) الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ (لَفْظِيٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ الْمُتَضَمِّنُ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهِ إنْكَارُهُ كَيْفَ وَشَرِيعَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَالِفَةٌ فِي كَثِيرٍ لِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ فَهِيَ عِنْدَهُ مُغَيَّاةٌ

ــ

[حاشية العطار]

الْحُرِّ فِي عَهْدِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ نُسِخَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إبَاحَةُ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ قَبْلَ زَمَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّحْرِيمُ فِي شَرِيعَتِهِ فَإِنَّهُمْ مُوَافِقُونَ فِي أَنَّ حُرْمَةَ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عِنْدَنَا تَحْرِيفُ التَّوْرَاةِ وَأُرْسِلَتْ رُسُلٌ مِنْ بَعْدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَيْنَ تَأْيِيدُ شَرِيعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْيَهُودِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي زَمَنِ بُخْتَنَصَّرَ وَرَوَى أَحْبَارُهُمْ أَنَّ الْعُزَيْرَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَدَفَعَهَا إلَى تِلْمِيذٍ لَهُ لِيَقْرَأَهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَخَذُوهَا عَنْ ذَلِكَ التِّلْمِيذِ، وَبِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا تَثْبُتُ التَّوْرَاةُ

وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذَ قَدْ زَادَ فِيهَا شَيْئًا، وَحَذَفَ مِنْهَا شَيْئًا فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ نُسَخَ التَّوْرَاةِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ، وَفِي النُّسَخِ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّصَارَى الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَبِخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ، وَارْتِفَاعُ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا فَمَا نَقَلُوهُ مِنْ تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَأْبِيدِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ افْتِرَاءٌ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَقْرَبُ قَاطِعٍ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى رَدِّ قَوْلِهِ، وَلَوْ احْتَجُّوا لَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أُمُورِهِمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ) إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُمْ مَبْعُوثًا إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً لَا مَعْنَى لِجَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ؛ إذْ شَرِيعَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَتْ عَامَّةً؛ وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَامَّةً، أَوْ خَاصَّةً بِالْعَرَبِ تَأَتَّى النَّسْخُ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالنَّسْخِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: كَيْفَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ فِي وُجُودِهِ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ ظَاهِرُهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَخْ فَالْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَسَخُ عَدَمُ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَالَفَ فِي وُجُودِهِ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفَ قَوْلِهِ: فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّفْرِيعِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْوُجُودِ لَمْ يَتَأَتَّ جَعْلُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ خَالَفَ هُوَ الْآمِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ خِلَافَهُ فِي الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ - تَخْصِيصًا - الْمُتَضَمِّنَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ إلَخْ الْبَيَانُ مُقَابِلُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ التَّرْتِيبَ، وَأُورِدَ أَنَّ الْخُلْفَ الَّذِي هُوَ نَفْيُ الْوُقُوعِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا لِلْقَطْعِ بِمُبَايَنَةِ نَفْيِ الْوُقُوعِ لِلْوُقُوعِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ نَفْيِ الْوُقُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِحَيْثُ يَعُودُ لَفْظِيًّا لِيُوَافِقَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ تَسْمِيَةِ تَخْصِيصِهِ الْمُتَضَمِّنِ ذَلِكَ الِاعْتِرَافَ بِوُجُودِهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِنَفْيِ الْوُقُوعِ الثُّبُوتُ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْخِلَافُ فِي الْوُقُوعِ وَالْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَتِهِ وَكَوْنِهِ لَفْظِيًّا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: الْمُتَضَمِّنُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَخْذُ هَذَا مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلِيقُ إنْكَارُهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: إنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ التَّنْزِيلُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي وُرُودِ نَصٍّ يَقْتَضِي حُكْمًا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ نَصٌّ سَابِقٌ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى تَوْقِيتٍ بَلْ جَازَ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ؛ وَلِذَا كَانَ تَفَصِّي الْمُخَالِفَ عَنْ ارْتِفَاعِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إلَى ظُهُورِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مُطْلَقَةً يُفْهَمُ مِنْهَا لَا التَّأْبِيدُ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: ١٠٦] الْآيَةَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَهِيَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>