للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: ١٤] أَيْ لَأَنْ (فَالْبَاءُ) نَحْوُ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: ١٦٠] أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ.

(فَالْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ) وَتَكُونُ فِيهِ لِلْحُكْمِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، وَفِي الْوَصْفِ نَحْوُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ فَغَيْرُهُ) وَتَكُونُ فِي ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ «كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ

ــ

[حاشية العطار]

وَلَوْ مَجَازًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: ١٤] فَأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ إلَخْ حَمَلَهُ عَلَى الطُّغْيَانِ فِي ارْتِكَابِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ، وَهُوَ الْغَيْرَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ؛ لِأَنَّ) جَعْلَ الْمُقَدَّرَ اللَّامَ دُونَ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: فَالْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ) مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلَاصُقِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِمَا حُقِّقَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِلْصَاقُ وَبَقِيَّةُ الْمَعَانِي مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّ مَعْنَى ظُهُورِ التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ تَبَادُرُ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْهَا فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَوْ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالسِّيَاقُ لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْلِيلِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَلَذَّاتُ وَبِالتَّحْرِيمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الْمَنْعُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَلَالَاتُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَصْفِهَا بِأَنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُمْ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) أَيْ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَصْفِ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» فَإِنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ {فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨] صِيغَةُ إيجَابٍ وَالْإِيجَابُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْفَاءُ عَلَيْهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَا تُمِسُّوهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَطِيبًا مَفْعُولٌ ثَانٍ وَقَوْلُهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا أَيْ تُغَطُّوا يُقَالُ خَمَّرَ رَأْسَهُ أَيْ غَطَّاهُ وَالْعِلَّةُ هِيَ الْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا فَوَجَبَ إبْقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ: فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُهُ) أَيْ فَغَيْرُ الرَّاوِي الْفَقِيهِ، وَهُوَ الرَّاوِي غَيْرُ الْفَقِيهِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَلَامِ الرَّاوِي فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ فَقَطْ) أَيْ فِي مُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، وَهُوَ طَلَبُ السُّجُودِ فِي الْحَدِيثِ لَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ أَوْ تَرَتُّبُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْحُدُوثِ قَالَ النَّاصِرُ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ إنَّمَا يَحْكِي بِالْفَاءِ مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا يَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ فَمَدْخُولُهَا فِي كَلَامِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَمَّا قَبْلَهَا وَالْوَصْفُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مَدْخُولُهَا إلَّا الْحُكْمُ لَا الْوَصْفُ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَاكٍ لِمَا فِي الْوُجُودِ بَلْ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إنْشَاءِ الْحُكْمِ ثُمَّ بَيَانِ عِلَّتِهِ كَعَكْسِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ) هُوَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، وَعِبَارَتُهُ فِي تَلْوِيحِهِ هَكَذَا النَّصُّ إمَّا صَرِيحٌ، وَهُوَ مَا دَلَّ بِوَضْعِهِ، وَإِمَّا إيمَاءٌ وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَهُ مَرَاتِبُ مِنْهَا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْعِلِّيَّةِ، مِثْلُ لِعِلَّةِ كَذَا وَلِأَجْلِ كَذَا وَكَيْ يَكُونَ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِيهِ حَرْفٌ ظَاهِرٌ فِي التَّعْلِيلِ مِثْلُ لِكَذَا أَوْ بِكَذَا، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلِّيَّةِ كَلَامِ الْعَاقِبَةِ وَبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ، وَإِنْ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُجَرَّدِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِصْحَابِ وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا فِي الْوَصْفِ مِثْلُ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ نَحْوُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ فِي الْعَقْلِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْخَارِجِ فَيَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِلِاعْتِبَارَيْنِ، وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>