للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتُحُقِّقَ الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ اسْتِقْلَالُ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فِي الْعِلِّيَّةِ (بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِالسَّبْرِ) لَا يَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّبْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْإِثْبَاتُ، وَهُنَاكَ النَّفْيُ.

(وَالْمُنَاسِبُ) الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ) عَادَةً كَمَا يُقَالُ هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةُ مُنَاسِبَةٌ لِهَذِهِ اللُّؤْلُؤَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَهَا مَعَهَا فِي سِلْكٍ مُوَافِقٌ لِعَادَةِ الْعُقَلَاءِ فِي فِعْلِ مِثْلِهِ، فَمُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مُوَافِقَةٌ لِعَادَةِ الْعُقَلَاءِ فِي ضَمِّهِمْ الشَّيْءَ إلَى مَا يُلَائِمُهُ (وَقِيلَ) هُوَ (مَا يَجْلِبُ) لِلْإِنْسَانِ (نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ) عَنْهُ (ضَرَرًا) قَالَ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُعَلِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ بِالْمَصَالِحِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ يَأْبَاهُ وَالنَّفْعُ اللَّذَّةُ وَالضَّرَرُ الْأَلَمُ (وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ) الدَّبُوسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ (مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ لَتَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ) مِنْ حَيْثُ

ــ

[حاشية العطار]

بِتُحُقِّقَ وَقَوْلُهُ بِالسَّبْرِ مُتَعَلِّقٌ بِعَدَمِ أَوْ أَنَّ بِعَدَمِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْلَالِ وَقَوْلُهُ بِالسَّبْرِ مُتَعَلِّقٌ بِتُحَقَّقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ السَّبْرَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بَلْ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ أَيْ التَّتَبُّعُ الْحَقِيقِيُّ فَانْدَفَعَ مَا قَالَ زَكَرِيَّا قَدْ يُقَالُ فِي إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ اسْتِقْلَالُ الْوَصْفِ بِعَدَمِ غَيْرِهِ الْمُثْبَتِ لَهُ بِالسَّبْرِ انْتِقَالٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ إلَى طَرِيقِ السَّبْرِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلِانْتِشَارِ الْمَحْذُورِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَسْلَكِ إلَى آخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ بَلْ تَمَّمَ دَلِيلَهُ بِمَسْلَكٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ (قَوْلُهُ: الْإِثْبَاتُ) أَيْ إثْبَاتُ اسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ، وَهُنَاكَ النَّفْيُ أَيْ نَفْيُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُلَائِمُ) أَيْ ضَمُّهُ لِلْحُكْمِ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ فَمُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ إلَخْ فَالْمُرَادُ الْمُلَاءَمَةُ مِنْ حَيْثُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِهَذَا الْحُكْمِ لَا الْمُنَاسَبَةُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتَيْنِ، وَالْمُلَائِمُ بِالْهَمْزِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ، وَفِي الْقَامُوسِ لَائَمَهُ مُلَاءَمَةً وَافَقَهُ (قَوْلُهُ:، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُعَلِّلُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَجْلِبُ مَصْلَحَةً أَيْ عَلَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ فَيُرْجَعُ لِلْأَوَّلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا أَبْعَدَ عَنْ الْحَقِّ مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِهَا فَإِنَّ بَعْثَ الْأَنْبِيَاءِ لِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَإِظْهَارَ الْمُعْجِزَاتِ لِتَصْدِيقِهِمْ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ وَقَوْلُهُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وَقَوْلُهُ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: ٥] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَدَالَّةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لِغَرَضٍ أَصْلًا يَلْزَمُ الْعَبَثُ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ لِغَرَضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْلَى بِهِ مِنْ عَدَمِهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَانَ مُسْتَكْمِلًا بِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا، وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَكْمِلًا بِهِ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ رَاجِعًا إلَيْهِ، وَهُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ اهـ.

وَوَجَّهَ فِي التَّلْوِيحِ قَوْلَهُ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ بِأَنَّ تَعْلِيلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ لَازِمٌ لَهَا، وَكَذَا تَعْلِيلُ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَصْدِيقِ الْخَلْقِ، وَإِنْكَارُ اللَّازِمِ إنْكَارٌ لِلْمَلْزُومِ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ اهـ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ مُنَاسِبٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْ الْجَانِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِعْلٌ مُلَائِمٌ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ عَادَةً، وَلَا أَنَّهُ وَصْفٌ جَالِبٌ لِلنَّفْعِ أَوْ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ بَلْ الْجَالِبُ أَوْ الدَّافِعُ إنَّمَا هُوَ الْمَشْرُوعِيَّةُ اهـ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُلَائِمٌ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَالِبٌ أَوْ دَافِعٌ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ انْتَهَى، وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي التَّلْوِيحِ عَلَى قَوْلِ الدَّبُوسِيِّ أَيْضًا، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: الدَّبُوسِيُّ) نِسْبَةً إلَى دَبُوسَ بِتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ زَكَرِيَّا بَيْنَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَلَا تَنَافِيَ فَإِنَّ الْبَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَانِ، وَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>