للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَذَرًا مِنْ التَّعَارُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْمُجَوِّزُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ يَقُولُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي أَمَّا تَعَادُلُهُمَا فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ فَوَاقِعٌ قَطْعًا وَهُوَ مَنْشَأُ تَرَدُّدِهِ كَتَرَدُّدِ الشَّافِعِيِّ الْآتِي (فَإِنْ تَوَهَّمَ التَّعَادُلَ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِ الْمُجْتَهِدِ أَيْ ذِهْنِهِ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُمَا (فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ (أَوْ التَّسَاقُطُ) لَهُمَا فَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا

ــ

[حاشية العطار]

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الظُّنُونِ تَعَارُضٌ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُلُومِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي أَسْبَابِهَا اهـ. زَكَرِيَّا.

وَفِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي تَعَادُلِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَنَعَهُ الْكَرْخِيُّ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ قَوْمٌ وَحِينَئِذٍ فَالتَّخْيِيرُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيَّيْنِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالتَّسَاقُطِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَيْ لَا يَعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يَرْجِعُ إلَى مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَفْصِيلًا وَقَالَ تَعَادُلُ الْأَمَارَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ كَوُجُوبِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَإِبَاحَتِهِ وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِي فِعْلَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَغَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرْعِ وَأَمَّا الثَّانِي فَوَاقِعٌ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» فَالْحُكْمُ فِي مِلْكِ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَاحِدٌ وَالْفِعْلَانِ هُنَا إخْرَاجُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَإِخْرَاجُ حِقَاقٍ مُتَنَافِيَانِ وَحُكْمُهُ التَّخْيِيرُ فَإِنَّ الْمَالِكَ لِمِائَتَيْ إبِلٍ مُخَيَّرٌ فِي إخْرَاجِ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» وَفِي إخْرَاجِ أَرْبَعِ حِقَاقٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ الْإِمَامُ مَعْنَى هَذَا التَّخْيِيرِ هُوَ أَنَّ هَذَا التَّعَادُلَ إنْ وَقَعَ فِي عَمَلِ نَفْسِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُفْتِي كَانَ حُكْمُهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْمُسْتَفْتِيَ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَ لِلْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ فَإِنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَذَا يَكُونُ بِالتَّعْيِينِ اهـ. مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ التَّعَارُضِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْأَمَارَتَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقٌ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ) نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ فِيهِ التَّعَارُضَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْغَرَضُ صَحِيحًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ: مَا سَيَأْتِي) هُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ تُوُهِّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِ إلَخْ) حَمَلَ الشَّارِعُ التَّوَهُّمَ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ الْوُقُوعِ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ لَا يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالتَّسَاقُطِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّوَقُّفِ بِمُجَرَّدِهِمَا لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَخْرَجَ مُجَرَّدَهُمَا بِتَقْيِيدِ الْوُقُوعِ فِي الْوَهْمِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُمَا فَإِنَّ الْوُصُولَ إلَى حَدِّ الْعَجْزِ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا مَعَ حُصُولِ ظَنِّ التَّعَارُضِ فَإِنْ تَحَقَّقَ شَكٌّ أَوْ وَهْمٌ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُرَجِّحِ اتَّجَهَ الْقَوْلُ بِمَا ذُكِرَ حِينَئِذٍ إذْ مُجَرَّدُ احْتِمَالِ عَدَمِ التَّعَادُلِ أَوْ ظَنِّهِ مَعَ الْعَجْزِ الْمَذْكُورِ لَا أَثَرَ لَهُ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: فَالتَّخْيِيرُ) أَيْ الْخِيرَةُ فِيهِ فِي الِاجْتِهَادِ لِلْمُجْتَهِدِ وَفِي الْفَتْوَى لِلْمُسْتَفْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا) قَالَ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>