للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ دَوَامَهُ) بِأَنْ لَا يُعَارِضَ (مَظْنُونٌ) وَلِبَعْضِهِمْ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْجَوَازَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ

(وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ) فَإِذَا كَثُرَ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِمُوَافِقٍ لَهُ أَوْ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ رَجَحَ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تُفِيدُ الْقُوَّةَ وَقِيلَ لَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَعَارَضِينَ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا) بِتَرْجِيحِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَعَ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا «لَا تُنْفِقُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» الشَّامِلِ لِلْإِهَابِ الْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَرَوَى مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» .

(وَلَوْ) كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ (سُنَّةً قَابَلَهَا كِتَابٌ) فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى (وَلَا يُقَدَّمُ) فِي ذَلِكَ (الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا) ، فَزَاعِمُ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ اسْتَنَدَ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَا رَسُولِ اللَّهِ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَزَاعِمُ تَقْدِيمِ السُّنَّةِ اسْتَنَدَ إلَى قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] مِثَالُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ وَحَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى خِنْزِيرِ الْبَرِّ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْأَذْهَانِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْعَمَلُ بِالْمُتَعَارَضِينَ أَصْلًا (وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ (فَنَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ (رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.

(وَإِنْ تَقَارَنَا) أَيْ الْمُتَعَارِضَانِ فِي الْوُرُودِ مِنْ الشَّارِعِ (فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (وَ) تَعَذَّرَ (التَّرْجِيحُ) بِأَنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَالتَّرْجِيحُ فَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ) بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ أَيْ لَمْ يُعْلَمْ بَيْنَهُمَا تَأَخُّرٌ وَلَا تَقَارُنٌ (وَأَمْكَنَ النَّسْخُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقْبَلَاهُ (رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ النَّسْخُ بَيْنَهُمَا (تَخَيَّرَ) النَّاظِرُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ

ــ

[حاشية العطار]

قَابِلًا لِلنَّسْخِ وَمِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي عُلِمَتْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَوَامَهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ دَوَامَ الْمُتَوَاتِرِ مَظْنُونٌ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِيَّةِ الْمَتْنِ دَوَامُ الدَّلَالَةِ فَقَوْلُهُ بِأَنْ لَا يُعَارِضَ نَعْتٌ لِلدَّوَامِ وَحِينَئِذٍ يُسَاوِي الْآحَادَ فِي الظَّنِّ وَيُرَجَّحُ الْآحَادُ عَلَيْهِ بِالتَّأَخُّرِ (قَوْلُهُ: وَلِبَعْضِهِمْ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ نُقِلَ الْمُتَأَخِّرُ بِالْآحَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مُقَابَلَةِ الشَّارِحِ بِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عُمِلَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَوَاتِرَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ آحَادًا وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَوَاتِرًا أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجَوَازَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ صُورَةُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مُتَوَاتِرًا وَالْمُتَأَخِّرُ آحَادًا.

(قَوْلُهُ: بِمُوَافِقٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مُوَافِقٍ وَلَوْ وَاحِدًا فَالْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ، ثُمَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّعَارُضَ دَاخِلٌ فِي الزَّائِدِ مَعَ أَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ) يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ ضَبَطَ الْبَيِّنَةَ بِعَدَدٍ فَلَا دَاعِيَ إلَى اعْتِبَارِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ رُوَاةِ الْأَدِلَّةِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ قُوَّةُ الظَّنِّ وَهِيَ فِي الزَّائِدِ دُونَ النَّاقِصِ غَالِبًا اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ وَلَوْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ، وَقَوْلُهُ بِتَرْجِيحِ الْآخَرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَاءِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ التَّعَارُضِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ بِالْمُتَعَارَضِينَ فَحَمَلْنَاهُ أَيْ الْإِهَابَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَرِضَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ إقْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ أَيْ مَعَ التَّرَاخِي كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَقَارَنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّقَارُنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ وُجُودُهُمَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا رَجَعَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ مِنْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>