للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) كَوْنِهِ (مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ) فَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ لِظُهُورِ تَأَخُّرِ خَبَرِهِ (وَقِيلَ مُتَقَدِّمُهُ) عَكْسُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ لِأَصَالَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ تَحَرُّزًا مِنْ مُتَأَخِّرِهِ وَابْنُ الْحَاجِبِ جَزَمَ بِهَذَا فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ الرَّاوِي وَبِمَا قَبِلَهُ فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ مُلَاحَظًا لِلْجِهَتَيْنِ لَا أَنَّهُ تَنَاقَضَ فِي كَلَامِهِ كَمَا قِيلَ (وَ) كَوْنِهِ (مُتَحَمِّلًا بَعْدَ التَّكْلِيفِ) ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْ الْمُتَحَمَّلِ قَبْلَ التَّكْلِيفِ (وَغَيْرَ مُدَلِّسٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُثُوقَ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْوُثُوقِ بِالْمُدَلِّسِ الْمَقْبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي (وَغَيْرَ ذِي اسْمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَلَلُ بِأَنْ يُشَارِكَهُ ضَعِيفٌ فِي أَحَدِهِمَا. (وَمُبَاشِرًا) لِمَرْوِيِّهِ (وَصَاحِبَ الْوَاقِعَةِ) الْمَرْوِيَّةِ فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْرَفُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا قَالَ وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ» ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي دَاوُد عَنْ مَيْمُونَةَ «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» مَعَ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ وُهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

(وَرَاوِيًا بِاللَّفْظِ) لِسَلَامَةِ الْمَرْوِيِّ بِاللَّفْظِ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي الْمَرْوِيِّ بِالْمَعْنَى. (وَ) كَوْنِ الْخَبَرِ (لَمْ يُنْكِرْهُ رَاوِي الْأَصْلِ) كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ كَالْمَحْصُولِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَهِيَ نَادِرَةٌ فَلَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَيْهَا، وَلَوْ زَادَ أَلْ فِي رَاوِي أَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَصْوَبَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهُ الرَّاوِي الْأَصْلُ

ــ

[حاشية العطار]

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَقَّنَ بِالْعِلْمِ الْقَاطِعِ أَنَّ تَزَوُّجَ امْرَأَةِ زَيْدٍ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْرَهَ النَّاسِ بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ لِزَوَاجِهَا عَكْسَ مَا تَوَهَّمَهُ الْغَزَالِيُّ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ لِيُمْكِنَهُ أَنْ يُخْفِيَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: ٣٧] فَنَزَلَتْ الْآيَةُ آمِرَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِظْهَارِ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ زَوَاجِهَا لِإِبْطَالِ التَّبَنِّي وَإِنْ كَانَ زَوَاجُهَا أَشَقَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْرِفَ هَذَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَوْنِهِ مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ فِي مَعْنَاهُ مُتَأَخِّرُ الصُّحْبَةِ (قَوْلُهُ: فَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ) قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إنْ عُلِمَ مَوْتُ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَلَا لِجَوَازِ أَنْ تَتَأَخَّرَ رِوَايَةُ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ رِوَايَةِ الْمُتَأَخِّرِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ تَأَخُّرِ خَبَرِهِ) أَيْ عَنْ مُعَارِضِهِ (قَوْلُهُ: أَشَدُّ تَحَرُّزًا مِنْ مُتَأَخِّرِهِ) أَيْ وَأَكْثَرُ اطِّلَاعًا عَلَى أُمُورِ الْإِسْلَامِ مِنْ اطِّلَاعِ الْمُتَأَخِّرِ إسْلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ الْحَاجِبِ جَزَمَ بِهَذَا إلَخْ) أَيْ لِمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ كَوْنِ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ تَحَرُّزًا لِكَوْنِهِ مُتَأَصِّلًا فِي الْإِسْلَامِ فَيَطَّلِعُ مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّرْجِيحِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَأَخُّرَ إسْلَامِهِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي تَأَخُّرِ مَرْوِيِّهِ فِي الْخَارِجِ عَنْ مَرْوِيِّ مُتَقَدِّمِ الْإِسْلَامِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْ مُتَأَخِّرِهِ شَرَفًا وَرُتْبَةً إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ مَرْوِيِّهِ عَلَى مَرْوِيِّهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَرِينَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُشْعِرَةِ بِنَسْخِ مَرْوِيِّهِ بِمَرْوِيِّ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْخَارِجِ) أَيْ عَنْ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: مُلَاحِظًا لِلْجِهَتَيْنِ) وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ. (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الْوَاقِعَةِ) هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُبَاشِرِ فَإِنَّ الْمُبَاشِرَ قَدْ يَكُونُ رَسُولًا فِيهَا وَلَا يَكُونُ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهَا. (قَوْلُهُ: بِسَرِفٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْعُمْرَةِ الْقَدِيمَةِ بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَكَوْنِ الْخَبَرِ إلَخْ) قُدِّرَ لَفْظُ الْكَوْنِ هُنَا دُونَ مَا قَبْلَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَرَاوِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا نَعْتٌ مُخَصِّصٌ لِلرَّاوِي فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>