للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما الأول فلا يسمى استعانة، ولا يلزمه التذلل والخضوع.

وأما الثاني فإنه وإن سمى استعانة، لكن لا يلزمه التذلل والخضوع إلا أنّ فيه رائحة مّا من ذلك.

وأما الثالث فهو الذي يلزمه التذلل والخضوع.

وقد يكون السؤال من القسم الأول ولكنه يصحبه تذلل مّا فيما يظهر، وذلك كسؤال الناس أنبيائهم عن أمور دينهم، وكذلك سؤال العامة علماءهم عن أمور الدين، وكذلك سؤال المحتاج العاجز حاجته من الغني" (١).

ثم قال: "ومن القسم الثالث: سؤال العبد من ربه عز وجل، وهو المسمى دعاء، ومنه كما صرح به القرآن سؤال الملائكة، وسماه القرآن دعاء.

وقد تأملنا الفرق بينه وبين سؤال الناس بعضهم بعضًا، فوجدنا الفرق أن السؤال من الملائكة فيه تذلل لهم وتعظيم يتدين به، أي: يطلب به نفع غيبي.

وقد قدمنا أن كل ما كان كذلك فهو عبادة، فإن لم ينزل الله تعالى سلطانا بالأمر أو الإذن به فهو عبادة لغيره.

وأما سؤال الناس بعضهم من بعض ما جرت العادة بقدرتهم عليه فمنه ما تذلل فيه، ومنه ما كان فيه تذلل ولكن لا يطلب به نفع غيبي" (٢).

وقال أيضًا: "والحاصل أن الخطاب فيه [أي: في قولنا في التشهد: السلام عليك أيها النبي] ليس على بابه، وإنما هو على التنزيل، أي تنزيل الغائب منزلة الحاضر للدلالة على استحضاره في الذهن، كأن ذلك تنبيه للمصلي على تحري متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وأفعاله، وهذا التحري يحمل على استحضار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهن حتى كأنه حاضر يرشد إلى أعمال الصلاة والمصلي يتابعه.

وقد كان الصحابة يقولون ذلك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم سرًا بحضرته أو غائبين عنه، وإنما عدل عنه من عدل بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يظن الجهال أنه خطاب حقيقي ...


(١) المصدر السابق (ص: ٣٩٧ - ٣٩٩).
(٢) المصدر السابق (ص: ٤١٦ - ٤١٧).

<<  <   >  >>