للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد التزم بعض العلماء صحة الحديث على أنه توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

لا بذاته ... " (١).

وقال أيضًا: "وأما السؤال من الإنسان الحي الحاضر فإن كان لما جرت العادة بقدرته عليه فليس دعاء، وإن كان لما لم تجر العادة بقدرته عليه فذلك دعاء؛ لأنه حينئذ سؤال لنفع غيبي" (٢).

وقال أيضًا: "وهكذا اتفق أهل العلم على أنّ ما أُحدث في الدين وليس منه فهو بدعة، وأنّ إنكار السنة الثابتة بطريق ظني ضلال.

ثم اختلف الصحابة فمن بعدهم في أشياء لا تحصى، فقال بعضهم: هي من الدين. وقال بعضهم: ليست منه. ومع ذلك لم يحكم أحد منهم على مخالفة بأنه مبتدع أو ضال، وما ذلك إلا لأنّ كلاً منهم يرى مخالفه معذور.

فهكذا نقول في مسألة الدعاء وأمثالها، فنحن وإن قلنا في صورة من صور السؤال ونحوها: إن هذا دعاء لغير الله تعالى، وعبادة وشرك، فليس مقصودنا أنّ كل من فعل ذلك يكون مشركًا، وإنما يكون شركًا من فعل ذلك غير معذور، فأما من فعلها معذورًا فلعله يكون من خيار عباد الله تعالى وأفضلهم وأتقاهم، ولعله يكون مأجورًا على ذلك الفعل نفسه.

وقد وقع الناس في هذا الباب على طرفي نقيض، فمنهم من يأخذ قول بعض الأمة وصالحيها كأنه وحي منزل، ويرجع قوله إلى دعوى أن ذلك العالم أو الصالح معصوم كعصمة الأنبياء أو أعظم، فلا يهون عليه أن يسمع قائلاً يقول: لعل هذا العالم أو الصالح أخطأ، وإذا حدثته نفسه بأن ذلك العالم أو الصالح أخطأ رأيته يتعوذ بالله تعالى، ويجتهد في طرد ذلك الخاطر عن نفسه.

ومنهم من إذا ظهر له في شيء من الأعمال أنه شرك، أو لم يظهر له ذلك ولكنه سمع شيخه يقول ذلك بادر إلى الحكم على كل مَن فعل ذلك من السلف والخلف بأنهم مشركون، لا فرق بينهم وبين عباد الأوثان.

والحق التوسط بين هذين، وأعيذك بالله عز وجل أن يحملك هذا الكلام على التهاون بمسألة التوحيد فتهجم على شيء من الأعمال التي قد قيل إنها شرك، قائلاً: إن كان في نفس الأمر شركًا فأنا معذور؛ فإن الخطر عظيم، ولعل عذرك لا يكون من القوة بحيث يقبله الله منك، فانظر لنفسك، فإن شككت في شيء فدعه، فلعل الله يقول لك: لِم صنعت كذا وكذا وقد قيل لك إنه شرك، وليس عندك يقين بأنه ليس بشرك، وأنت تعلم أنك لو تركته لما كان عليك إثم ولا حرج" (٣).


(١) المصدر السابق (ص: ٤٣١ - ٤٣٢).
(٢) المصدر السابق (ص: ٤٤٤).
(٣) المصدر السابق (ص: ٤٥١ - ٤٥٢).

<<  <   >  >>