للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما كون الأولياء والصالحين في حال مماتهم كحال حياتهم يدعون لمن قصدهم ويتسببون في إنقاذه فهذا جهل عظيم، وقول على الله بلا علم، لم يرد به كتاب ولا سنة، ولا قاله ولا فعله أحد يعتد به ويقتدى به من أهل العلم والإيمان، وقد مضت القرون الثلاثة المفضلة ولم يعهد عن أحد منهم أنه قال ذلك أو فعله، وعندهم أشرف القبور على الإطلاق ولم يعرف عن أحد منهم أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أو دعاه ولا غيره من الصالحين، وخبر العتبي سيأتي الكلام عليه، وأنّ فاعل ذلك أعرابي ليس مما يُقتدى به ويُحْتَجُّ بقوله، وإن كان بعض المتأخرين احتج بحكاية الأعرابي فهو احتجاج مدخول، وقد نازعهم من هو أقدم منهم وأجل من الأكابر والفحول" (١).

وقال أيضًا: "ومن ذهب إلى مشاهد أهل البيت وغيرهم من الأولياء في بغداد في موسم الزيارات تحقق ما ذكرناه، واستقل بالنظر إلى فعل هؤلاء ما كان يفعله المشركون عند آلهتهم كاللات والعزى، وقد رأيت والله بعيني رأسي من سجد للأعتاب معرضا عن رب الأرباب، ولا أقول: إن العوام فقط على هذا المنوال، فكم قد رأينا وسمعنا عمن يدعي العلم قد فعل هذه الفعال" (٢).

وقال أيضًا بعد الاستدلال بقوله تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}: "انظر هذا الاستفهام وحسن موقعه بعدما تقدم من الاستفهامات التي هي حجج وآيات على ما بعدها تعرف به فحش ما جاء به عباد القبور من دعاء آلهتهم والاستغاثة بهم في الملمات والشدائد المذهلات، وأن أهل الجاهلية كانوا يخلصون في الشدائد ويعترفون بأنه المختص بإجابة المضطر وكشف السوء، وهؤلاء يشتد شركهم عند الضر ونزول الشدائد" (٣).

وقال أيضا: "وأما قوله [أي: النبهاني] في قوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فإن قال قائل: هذا في الحي وله قدرة. قلنا: لا يجوز نسبة الأفعال إلى أحد حي أو ميت على أنّه الفاعل استقلالاً من دون الله.

فهذا الكلام أورده بناء على أن النزاع في دعوى الاستقلال، وبزعمه أنه إذا لم يعتقد الاستقلال فالأسباب العادية كغيرها، ودعاء الأموات والغائبين يجوز عنده إذا لم يعتقد الاستقلال، هذه دعواه كرّرها مراراً واحتج بها.


(١) المصدر السابق (١/ ٣٦٩ - ٣٧٠).
(٢) فتح المنان (ص:٤٩٣).
(٣) غاية الأماني (٢/ ٣٦٥).

<<  <   >  >>