للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدعوى تحتاج لدليل لا تصلح هي دليلاً، لاسيما هذه الدعوى الضالة الكاذبة الخاطئة، والله سبحانه حكى استغاثة المخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه من نصره على عدوه، وهذا جائز لا نزاع فيه، واعتقاد الاستقلال من دون الله وأن العبد يخلق أفعال نفسه هذه مسألة أخرى لم يقل بها إلا قدرية النفاة، والناس مختلفون في تكفيرهم بهذا القول.

وبالجملة؛ فالنزاع في غير هذه المسألة، وإنما هو في دعاء الأموات والغائبين، وإن لم يستقل بذلك المطلوب من دون الله. ومن بلغت به الجهالة والعماية إلى هذه الغاية، فقد استحكم على قلبه الضلال والعناد، ولم يعرف ما دعت إليه الرسل سائر الأمم والعباد، ومن له أدنى نهمة في العلم والتفات إلى ما جاءت به الرسل يعرف أنّ المشركين من كل أمة في كل قرن ما قصدوا من معبوداتهم التي عبدوها مع الله تعالى إلا التسبب والتوسل والتشفع ليس إلا، ولم يدَّعوا الاستقلال والتصرف لأحد من دون الله" (١).

وقال أيضًا: "ولا يخفى أن جُلّ شرك المشركين في حق من عبدوه مع الله تعالى إنما هو بدعائه وسؤاله قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم" (٢).

وقال أيضًا: " ... فمن المستحيل شرعًا وفطرة وعقلاً أن تأتي هذه الشريعةُ المطهرةُ الكاملةُ، وغيرُها بإباحة دعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم من الملمات والمهمات كقول النصراني: "يا والدة المسيح اشفعي لنا إلى الإله"، أو "يا عيسى أعطني كذا"، أو" افعل بي كذا".

وكذلك قول القائل: "يا علي، أو يا حسين، أو يا باس، أو يا عبد القادر، أو يا عيدروس، أو يا بدوي، أو يا فلان، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله، والتسوية به تعالى وتقدس، فهذا لا تأتي شريعة ولا رسالة بإباحته قط، بل هو من شعب الشرك الظاهرة الموجبة للخلود في النار ومقت العزيز الغفار، وقد نص على ذلك مشايخ الإسلام حتى ذكره ابن حجر في الإعلام مقررا له" (٣).

وقال أيضا: "ومن ذلك عند الناس شيء كثير، من أحجار وآبار، وصخور وأشجار، يزعمون منها شفاء الأمراض وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات.

ولو بسطت الكلام في ذلك- مما يستعمله الرجال والنساء، أو يختص بالنساء، من أشياء يعلقنها عليهن، ويبين خواصها وتأثيراتها في أزواجهن، ويسمينها بأسماء لو رجعت الجاهلية الأولى لعجزت عن أقل القليل من هذه الجهالات وسوء الاعتقادات- لاحتمل مجلدات، والويل كل الويل لمن أنكر ذلك، أو تكلم بأدنى شيء ينجي من تلكم المهالك" (٤).


(١) المصدر السابق (١/ ٣٧٠).
(٢) فتح المنان (ص:٣٧٩).
(٣) المصدر السابق (ص: ٤٤٥ - ٤٤٩).
(٤) غاية الأماني (١/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>