للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضًا: "المعروف عند عامة أهل عصرنا من معنى التوسل أن يعتمد المرء في قضاء حاجاته من جلب نفع أو كشف ضر أو نجاة في الآخرة من عذاب الله أو فوز بنعيم الجنة على أشخاص الأنبياء والصالحين وسؤالهم ذلك، أو سؤال الله تعالى بأشخاصهم أن يعطيه إياه، دون العمل بما جاء به الرسل عن الله من علم اعتقادي وعمل صالح وهو ما كان الصالحون صالحين باتباعهم فيه. وهذا التوسل مخالف لأصول الإسلام وهداية القرآن، وجار على قواعد الوثنية" (١).

وقال أيضًا: "ولهذا أمر الله تعالى رسوله أن يحتج على النصارى في عبادتهم للمسيح عليه السلام بقوله: {قلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وهذه حجة على عبدة القبور وعلى أصحاب العمائم الذين يتأولون لهم عبادتهم بما يظنون أنه يبعدهم عن عباد الأصنام، بقولهم: إن هؤلاء الأولياء أحياء عند ربهم كالشهداء فهم يضرون وينفعون لا كالأصنام.

ولكن الله تعالى يقول للنصارى: إن المسيح لا يملك لهم ضرا ولا نفعا بعبادتهم له على ما آتاه من المعجزات.

وإنّ هؤلاء الدجالين من الشيوخ يؤمنون بأن المسيح أفضل من البدوي والحسين والسيدة زينب وغيرهم ممن يزعمون أنهم يملكون الضر والنفع لمن يطلبه منهم، وحياته لا تزال في اعتقادهم حياة عنصرية، وحياتهم برزخية، ومعجزاته قطعية، وكراماتهم غير قطعية، كذلك أمر الله تعالى رسوله خاتم النبيين وأفضلهم أن يخبر الناس بنفي ملكه لضر الناس ونفعهم وهو حيّ" (٢).

وقال أيضًا عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ}:

"فمن توجّه قلبه في عبادة من العبادات، ولا سيما مخّ العبادة وروحها وهو الدعاء إلى غير الله فهو عابد له مشرك بالله، وأكده بالنهي عن ضده معطوفا عليه فقال: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أصحاب الديانات الوثنية الباطلة، الذين يجعلون بينهم وبين الله تعالى حجابا من الوسطاء والأولياء والشفعاء، يوجهون قلوبهم إليهم عند الشدة تصيبهم والحاجة التي تستعصي على كسبهم، ووجوههم وجملتهم إلى صورهم وتماثيلهم في هياكلهم، أو قبورهم في معابدهم، ويدعونهم لقضاء حوائجهم إما بأنفسهم وإما بشفاعتهم ووساطتهم عند ربهم.

ثم بين هذا بالإشارة إلى سببه عند المشركين والنهي عن مثله معطوفا عليه فقال: {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} أي: ولا تدع غيره تعالى دعاء عبادة، -وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض-، لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء {مَا لَا يَنفَعُكَ} إنْ دعوته لا بنفسه ولا بوساطته، {وَلَا يَضُرُّكَ} إنْ تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره (فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) أي فإن فعلت هذا بأن دعوت غيره فإنك أيها الفاعل في هذه الحال من طغامة الظالمين لأنفسهم الظلم الأكبر، وهو الشرك الذي فسر به النبي

صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؛ فإنه لما كان دعاء الله وحده هو أعظم العبادة ومخها - كما ورد في الحديث - كان دعاء غيره هو معظم الشرك ومخّه ...


(١) مجلة المنار (٢٧/ ٤٢١).
(٢) تفسير المنار (١١/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>