للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآيات في هذا المعنى كثيرة متفرقة في السور، كُرّرت لأجل انتزاع هذا الشرك الأكبر من قلوب الجمهور الأكبر، وقد انتزع من قلوب الذين أخذوا دينهم من القرآن، وكان جلّ عبادتهم تكرار تلاوته بالغدو والآصال، والليل والنهار.

ثم عاد بقضّه وقضيضه إلى الذين هجروا تدبر القرآن وهم يدّعون الإسلام، وأكثرهم يتلقون عقائدهم من الآباء والأمهات والمعاشرين، وأكثر هؤلاء من الخرافيين الأميين الجاهلين، وأكثر القارئين منهم على قلّتهم يأخذونها من كتب مقلدة متأخري المتكلمين الجدلية والمتصوفة الخرافية، ولا يكاد مسجد من مساجدهم يخلو من قبر مشرف مشيّد، توقد عليه السرج والمصابيح، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعليها، ويتوجه إليه الرجال والنساء في كل صباح ومساء، يدعون من دون الله من يعتقدون أنهم أحياء يقيمون فيها، ويتقربون إليهم بالهدايا والنذور من الأميين، وبعرائض الاستغاثة والدعاء من المتعلمين، ليكشفوا عنهم الضر، ويهبوا لهم ما يرجون من النفع.

ومِن أمامهم وورائهم عمائم مكورة، ولحى طويلة أو مقصرة، يسمّون شركهم الأكبر توسلا، واستغاثتهم استشفاعًا، ونذورهم لغير الله صدقات مشروعة، وطوافهم بالقبور المعبودة زيارات مقبولة، ويتأولون هذه الآيات الكثيرة، بل يحرّفونها عن مواضعها، بزعمهم أنها خاصة بعبادة الأصنام، والنذور للأوثان، والتعظيم للصلبان، كأن الإشراك بالله جائز من بعض الناس ببعض المخلوقات دون بعض" (١).

وقال أيضًا: "وشر أنواع الاعتداء في الدعاء التوجه فيه إلى غير الله ولو ليشفع له عنده؛ لأنّ الحنيف من يدعو الله تعالى وحده، فلا يدعو معه غيره، كما قال: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدً} أي لا ملكًا ولا نبيًا ولا وليًا.

ومن دعا غير الله فيما يعجز هو وأمثاله عنه من طريق الأسباب كالشفاء من المرض بغير التداوي وتسخير قلوب الأعداء والإنقاذ من النار ودخول الجنة وما أشبه ذلك من المنافع ودفع المضار فقد اتخذه إلهًا؛ لأن الإله هو المعبود، والدعاء هو العبادة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم" (٢).

وقال أيضًا: "وهل يكابر أحدٌ في دعاء الألوف والملايين من عامتنا للموتى من الصالحين، إلا إذا كان لا يخجل من إنكار المحسوسات؟! ألا إنهم لا ينكرونه ولكنهم يؤولونه لهم: بأنهم لا يقصدون به العبادة، وإنما يقصدون التوسل! ألفاظ يلوكونها ولا يفهمونها، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الدعاء هو العبادة» أي: هو الفرد الأعظم من أفرادها، والركن الأكمل من أركانها، كقوله: «الحج عرفة»، فتجويز دعاء غير الله كتجويز الصلاة لغير الله بدعوى عدم قصد العبادة، وتسميتها توسلاً أو ما يشاء أهل التأويل من الأسماء" (٣).


(١) المصدر السابق (١١/ ٣٩٩ - ٤٠٠).
(٢) المصدر السابق (٨/ ٤٠٧).
(٣) مجلة المنار (١٢/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>