للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»، وفي رواية «فأنا منه بريء، هو للذي عمل له» رواه مسلم وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى مناد من أشرك في عمل عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» رواه أحمد.

والوجه الثاني: أنّ من يتوجه بعبادته إلى غير الله تعالى على أنه وسيلة إليه ومقرّب منه وشفيع عنده، أو على أنه متصرف بالنفع ودفع الضر لقربه منه، فتوجهه هذا إليه عبادة له مقدرة بقدرها، فهو عبد له في هذا القدر من التوجه إليه من دون الله، وهذا الوجه معقول في نفسه، والأول أقوى لأنّ النصوص مؤيدة له، وقد غفل عنه من أجازوا للعامة اتخاذ أولياء يتوجهون إليهم بالدعاء وطلب الحاجات ويسمون ذلك توسلا بهم إلى الله إنما هو عبادة لهم من دون الله" (١).

وقال أيضًا عند تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ}: "وفي هذا الجواب من أصول الدين أنّ شؤون الرب وسائر ما في عالم الغيب توقيفي لا يعلم إلا بخبر الوحي، ومنه اتخاذ الوسطاء عند الله مما ذكر وأنه عين الشرك.

ولكن من علماء الأزهر من يثبتون هذه الوساطة بالرأي، ويحرّفون ما ينقضها من الآيات المحكمات والأحاديث المتفق عليها كأنها هي الأصل، حتى إنهم يبيحون دعاء الموتى واستغاثتهم عند قبورهم. ويحتجون على ذلك بأنهم أحياء فيهم" (٢).

وقال أيضًا: "مدار العبودية على توجه العباد إلى المعبود فيما يرجون من نفع ويخافون من ضر، فاستعمل اللفظان في التنزيل في بيان أن الرب المستحق للعبادة هو من يملك الضر والنفع، غير خاضع ولا مقيد بالأسباب العادية، كقوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً}، وقوله في عجل بني إسرائيل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً} وقوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} " (٣).

وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}: "أمرهم عليه السلام بالتوحيد الخالص، وقفّى عليه بالتحذير من الشرك، والوعيد عليه، ببيان أن الحال والشأن الثابت عند الله تعالى هو أن كل من يشرك بالله شيئًا مّا من ملك أو بشر أو كوكب أو حجر أو غير ذلك، بأن يجعله ندا له، أو متحدا به، أو يدعوه لجلب نفع أو دفع ضر أو يزعم أنه يقربه إلى الله زلفى، فيتخذه شفيعا، زاعما أنه يؤثر في إرادة الله تعالى أو علمه، فيحمله على شيء غير ما سبق به علمه، وخصصته إرادته في الأزل، من يشرك هذا الشرك ونحوه فإن الله يحرم عليه الجنة في الآخرة، بل هو قد حرمها عليه في سابق علمه، وبمقتضى دينه الذي أوحاه إلى جميع رسله، فلا يكون له مأوى ولا ملجأ يأوي إليه إلا النار دار العذاب والهوان، وما لهؤلاء الظالمين لأنفسهم بالشرك من نصير ينصرهم، ولا شفيع ينقذهم {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، فالنافع رضاه {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، وشر أنواعه الشرك" (٤).


(١) المصدر السابق (٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦).
(٢) المصدر السابق (١١/ ٢٦٧).
(٣) المصدر السابق (٩/ ٤٢٥).
(٤) المصدر السابق (٦/ ٤٠٠).

<<  <   >  >>