للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرفض العطاء يرفض السكنى عند المتوكل. يرفض قبول شراء دار له في بغداد. يبعث بالكتاب بعد الكتاب لولده في بغداد بعدم قبول الجوائز والصلات. ويوصيه بالحرص على الزهد والقناعة. وأحمد- رحمه الله تعالى- يصبر ويحتسب، أمام هذه المواجهات والمِحَن، وما زال في رِفعة وعلو، وجلالة قَدْرٍ مَلأَت قلوب الناس، وصار لقلوبهم مثل العافية لأَبدانهم، وما أجود ما قاله الذهبي حينما امتحن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- في مسألة إيمان البيعة (١) : " وهذا ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير " ومن يُرد الله به خيرًا يُصب منه " - رواه البخاري- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل قضاء المؤمن خير له ". وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد /٣١] وأنزل في وقعة أحد قوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران/١٦٥] ، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى/٣٠] ، فالمؤمن إذا امتُحن، صبر واتَّعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حَكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له " انتهى.

فهذه بعد: من عيون المعارف في ترجمة هذا الإمام، وحياته


(١) السير ٨/٧٣