أمخلوقٌ هذا فقال. يا شيخُ، إنَّ أميرَ المؤمنين يقولُ: إنَّك إن لم تُجِبْهُ إلى الذي يدعوكَ إليه يقطَعُ عنك ما يجري عليكَ فقلتُ: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[الذاريات: ٢٢] ، فسَكَتَ عني، وانصرفت، فسُرَّ بذلك أبو عبد الله ويحيى.
قلتُ: هذه الحكايةُ تدلّ على جلالةِ عفان وارتفاعِ شأنِهِ عند الدولة، فإن غيره امتُحِنَ، وقيد وسُجِن، وعفانُ فما فعلوا معه غيرَ قطعِ الدراهم عنه.
قال القاسم بن أبي صالح: سمعتُ إبراهيم بنَ ديزيل يقول:
" لما دُعي عفَّانُ للمِحنةِ، كنتُ آخِذًا بِلجام حِمارِه، فلما حَضَر عُرِض عليه القولُ، فامتنع أن يُجِيبَ، فقيل له: يُحبَسُ عَطاؤك- قال: وكان يُعطى في كُلِّ شهرٍ ألفَ درهم- فقال:(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) فلما رَجَعَ إلى دارِه عَذَلَهُ نِساؤُه ومَن في داره، قال: وكانَ في دارِه نحو أربعينَ إنسانا، فدقَّ عليه داقٌّ البابَ، فدخلَ عليه رجل شبهتُه بِسَمَّانٍ أو زَيَّات، ومَعه كيس فيه ألفُ درهم، فقال: يا أبا عثمان ثبتكَ الله كما ثَبَّتَّ الدين، وهذا في كل شهر " انتهى.
* شهداء الفتنة:
هذه الفتنة غزت صفوة الأمة وخيارها: العلماء، من مفسرين، ومحدثين، وغيرهم، فأوذي فيها علماء كثيرون وامتلأت سجون بغداد، و " سر من رأى " حتى قيل لها: " سوء من رأى ".