[المبحث الرابع: تاريخ التمذهب، والحث على فقه الدليل]
وأَن الانتساب لمذهب يعني الوفاق، لا العصبية، والشقاق
كان أَمر الناس جارياً على السَّلامة والسَّداد، من الإسلام والسنة، في صدر هذه الأمة، من عصر الصحابة- رضي الله عنهم- إلى غاية القرون المشهود لها بالفضل، والخيرية: الشريعة ظاهرة، والسنة قائمة، والبدع مقموعة، والأَلسن عن الباطل مكفوفة، والعلماء عاملون، ولعلمهم ناشرون، والعامي يستفتي من يثق به وتطمئن إِليه نفسه ممن لقيه من علماء المسلمين، لم يتخذوا من دون الله وَليْجَةَ، ولا إماماً من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كتاباً غير كتاب الله- تعالى- ولا سنة سوى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، مع كثرة فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم- ومنهم الخلفاء الأَربعة الراشدون، ومع وفرة علماء التابعين، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم، وفي العصر الواحد نحو خمسمائة عالم يصلح كل واحد منهم أَن يكون إِماماً يُتمذهب له، ويُقَلَّدُ في قوله ورأيه، لكن يأَبى الله ورسوله، والمؤمنون، أَن يتخذ من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل والخيرية إماما دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصبونه حاكماَ على السنة والدَّليل، وينزلونه منزلة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم