للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحي، فهي أولية مقيدة لا مطلقة.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء .. » يدل على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء، التي نزل فيها: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١).

على أننا نلاحظ أن جابرا استنبط ذلك باجتهاده، على حسب علمه من روايته، ولذلك لما روجع لم يجد بدّا من ذكر ما سمعه، ولم يقطع برأي، ثم لما تبين له الأمر، وتذكر الرواية التي فيها أن ذلك كان بعد فترة الوحي، ذكر ذلك صراحة كما في طريق الزهري بخلاف حديث عائشة فالمتيقن أنه من روايتها لا من اجتهادها.

ومن الأجوبة التي أجيب بها:

٢ - أن أول سورة «المدثر» مقيد بما نزل متعلقا بالإنذار، ولذلك دعا النبي بعدها إلى الله، بخلاف صدر سورة العلق، فهو مطلق غير مقيد بشيء خاص.

٣ - أن سورة «المدثر» أول سورة نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة «اقرأ» فإنها أول ما نزل منها صدرها (١).

أقول هذا الجواب غير مسلم، فقد ذكرت آنفا رواية الصحيحين عن جابر، وفيها «فأنزل الله يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) إلى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)».

فكيف يدعي مدع، أو يقول قائل: إن المدثر أول سورة نزلت بتمامها! فالحق أنه لا يصلح أن يكون جوابا.

ولذلك لما تعرض الحافظ ابن حجر في «الفتح» للتوفيق بين الحديثين- حديث عائشة، وحديث جابر- لم يذكر هذا الوجه (٢)، وإنما ذكره صاحب الإتقان.


(١) الإتقان ج ١ ص ٣٤.
(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٥٥٠، ٥٥١.

<<  <   >  >>