خفي ما لتغير الأسلوب، والتفنن في الخطاب من أثر جليل من الناحية النفسية، لأنه يجذب الانتباه، ويوقظ الشعور، ويحمل العقول على التساؤل والبحث، فتتمكن المعاني في النفس فضل تمكن؛ فلله در التنزيل، فكم له من أسرار ولطائف.
ب- وأما قوله وَأَسَرُّوا ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا فهو وارد على بعض لغات العرب، وهي لغة: أكلوني البراغيث، ولها شواهد كثيرة في العربية، وهذه اللغة تخرج على أن اللواحق بالأفعال ليست ضمائر وإنما هي علامات على التثنية أو الجمع، وما بعدها هو الفاعل، أو أن تكون اللواحق هي الفاعل والظواهر بعدها بدل منها، أو فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير في الآية مثلا: وأسروا النجوى أسرها الذين ظلموا.
ج- وأما قوله تعالى: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ففيها قراءتان سبعيتان: الأولى: وأكون بالنصب، وبها قرأ أبو عمرو، ووجهها ظاهر، الثانية: وَأَكُنْ بالجزم، وتخرج على أنها عطف على المعنى، فإن الكلام في معنى الشرط، فكأنه سبحانه قال:«إن أخرتني إلى أجل قريب أصدق وأكن» وهذا النوع يسميه النحويون العطف على التوهم، وهو باب معروف في العربية.
[الشبهة الحادية عشرة]
ما رواه الإمام أحمد بسنده، عن إسماعيل المكي قال: حدثنا أبو خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقالت: مرحبا بأبي عاصم ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا فقال: أخشى أن أملك فقالت: ما كنت لتفعل، قال: جئت لأسألك عن آية من كتاب الله عز وجل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها؛
قالت: أية آية قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا أو «الذين يأتون ما أتوا» فقالت: أيتهما أحب إليك فقلت:
والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلى من الدنيا جميعا، أو الدنيا وما فيها.
قالت وما هي فقلت «الذين يأتون ما أتوا» فقالت: أشهد أن رسول الله