وإليك بعض ما قاله العلماء في هذا. أخرج ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مكي بن أبي طالب القيسي وغيره: ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يأمر بذلك (١) في أول بَراءَةٌ تركت بلا بسملة. وقال القاضي أبو بكر: ترتيب الآيات أمر بذلك واجب، وحكم لازم، فقد كان جبريل يقول:«ضعوا آية كذا في موضع كذا»، وقال أيضا: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، والذي حواه مصحف عثمان، وإنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وإن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله، ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر ولا أخر منه مقدم، وإن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها، وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة، وأنه يمكن أن يكون الرسول قد رتب سوره وأن يكون وكل كل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتولى ذلك بنفسه، قال:
وهذا الثاني أقرب.
[ترتيب الآي ليس على حسب النزول]
ومن المجمع عليه أن ترتيب الآيات ليس بحسب نزولها وإنما يرجع إلى المناسبات والروابط البلاغية فقد تنزل الآية بعد الآية بسنين وتكون في ترتيب الكتابة قبلها. وليس أدل على هذا من تقدم بعض الآيات الناسخة على الآيات المنسوخة، مع أن الناسخ متأخر عن المنسوخ في النزول قطعا، وذلك مثل آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فإنها ناسخة لآية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فالأولى متقدمة في الترتيب متأخرة في النزول.
وفي الأثر عن محمد بن سيرين قال: قلت لعكرمة: ألفوه- أي: