عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (١).
فمن ثمّ تحرّج كثير من الصحابة والتابعين من كتابة وتدوين غير القرآن حتى الحديث الشريف لم يدونوه، واكتفوا فيه وفي علومه بالحفظ والرواية .. إلى أن كان عهد «علي» - رضي الله عنه- فأمر «أبا الأسود الدؤليّ» بوضع علم «النحو» فكان هذا فاتحة خير لتدوين علوم الدين، واللغة العربية.
وفي العهد الأموي: اتسعت دائرة التدوين والتأليف عن ذي قبل، وفي هذا العهد رأى الخليفة الراشد:«عمر بن عبد العزيز» - رضي الله عنه- أن يجمع الأحاديث؛ فأمر علماء الأمصار بجمع أحاديث الرسول: مخافة أن يذهب شيء منها بذهاب العلماء، وحتى يتميز الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود.
وفي العصر العباسي الأول: اتسعت دائرة التأليف، واتسعت حتى شملت معظم علوم الدين واللغة العربية بل وغير علومها كالفلسفة وفروعها، فقد ترجم كثير من كتب الفلسفة في هذا العصر.
وهكذا نرى: أن حركة التأليف والتدوين نشطت نشاطا قويّا في هذا العصر، وكان «لعلوم القرآن» من هذا النشاط حظ غير قليل.
[التدوين في علوم القرآن بالمعنى الإضافي أي العام]
وكان من الطبعي أن يكون أول ما يدون من «علوم القرآن» هو علم «التفسير»؛ إذ هو الأصل في فهم القرآن وتدبره، وعليه يتوقف استنباط الأحكام، ومعرفة الحلال من
الحرام.
فألف في تفسير القرآن سفيان الثوري المتوفى سنة ١٦١ هـ، وسفيان ابن عيينة المتوفى سنة ١٩٨ هـ، ووكيع بن الجراح المتوفى سنة ١٩٧ هـ، وشعبة ابن الحجاج المتوفى سنة ١٦٠ هـ، ومقاتل بن سليمان المتوفى سنة ١٥٠ هـ،
(١) صحيح مسلم- كتاب الزهد- باب التثبت في العلم وحكم كتابة العلم.