للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى لقد مكث شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية وهي القبائل التي غدرت بهم، وليس أدل على رضائهم بالشهادة مما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى القراء قال: «إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم فأنزل الله فيهم قرآنا كان يتلى: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا». ثم نسخ بعد (١).

وحتى بعد الوفاة كان الفضل والتقدمة لحفاظ القرآن، وقرائه، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة من شهداء أحد في قبر واحد، وكان يسأل: «أيهم أكثر أخذا للقرآن» أي: حفظا له فيقدمه في اللحد، رواه البخاري، فمن ثم عني المسلمون عناية فائقة بحفظ القرآن وإجادته، فقد كان وسيلة من الوسائل للدرجات الدينية، والدنيوية، وقد روى الفاروق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» رواه مسلم.

[العامل الخامس تفرغ بعض الصحابة ومن بعدهم لحفظ القرآن وضبطه]

وقد تفرغ لحفظ القرآن، والتفقه فيه أناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل الصفة (٢) وهم أضياف الله، وأضياف الإسلام، كانوا يحتطبون بالنهار، ويقومون الليل ويقرءون القرآن ويحفظونه، ويتدارسونه، ويعلمونه غيرهم، ولم يكونوا رضوان الله عليهم كسالى ولا خاملين، ولا ينأون بأنفسهم عن العمل والكدح كما يزعم بعض المتخرصين عليهم، وإنما كانوا إذا وجدوا عملا عند أحد عملوا، وإذا لم يجدوا احتطبوا، وأطعموا إخوانهم، وجعلوا همهم حفظ القرآن، وأعدوا أنفسهم للجهاد، فكان إذا


(١) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب سرية الرجيع، وبئر معونة.
(٢) مكان مظلل كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كان يأوي إليه، من لا دار له، ولا أهل، ولا مال فكانوا يبيتون فيه، ويطعمون، ويعانون.

<<  <   >  >>