وبذلك ثبت إعجاز «القرآن» على أبلغ وجه وآكده، وإذا ثبت عجز العرب فغيرهم بالعجز أحرى وأولى (١).
١ - القرآن كتاب العربيّة الأكبر
والقرآن هو كتاب العربية الأكبر، ورمز وحدة العرب الكبرى وجامعتهم العظمى، وبه اكتسبت لغة العرب بقاءها، وحيويتها؛ وبه صار العرب أمة واحدة مؤمنة موحدة، متآلفة القلوب متجانسة المزاج، متحدة اللسان، متشابهة البيان، وبه صار المسلمون في صدر الإسلام أمة واحدة، لا يفرق بينها جنس، ولا لون، ولا لغة، فقد انصهرت كل هذه الفوارق في نور الإسلام، ولم يبق إلا الاعتزاز بالإسلام والقرآن، وصار لسان الواحد منهم يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
ومنه استمد العرب والمسلمون علومهم ومعارفهم، فما من علم من علومهم إلا وله بالقرآن سبب، وله منه ورد ومدد، ولولا هذا الكتاب العربي المبين لاستعجمت لغة العرب، وأضحت في عداد اللغات الميتة، فهو الذي يجدد شبابها كلما اعتراها الهرم والضعف، ويأخذ بيدها إذا ألمّ بها التخلف والركود، ولولا هذا الكتاب لما كانت هذه الثروة الطائلة من العلوم التي تدور حول القرآن، ولغة القرآن وتجول في رحابه الواسعة.
وما من عربي- أيا كان دينه- إلا وله بهذا الكتاب مفخرة واعتزاز وحب ووفاء؛ لأنه يخاطب فطرته اللغوية ووجدانه البياني، وروحه العربية الصافية الشفافة.
[٢ - القرآن كتاب الهداية الكبرى]
والقرآن هو هداية الخالق لإصلاح الخلق، وشريعة السماء لأهل الأرض. وهو التشريع العام ... الخالد الذي تكفل بجميع ما يحتاج إليه
(١) اكتفيت في هذا الموضع بهذا القدر، أما إشباع القول في الإعجاز فلذلك محل آخر إن شاء الله.