للعلماء في ذلك طريقتان، استفيدتا من تتبع عباراتهم في هذا المقام:
الأولى: قولهم: سبب نزول هذه الآية كذا، وهذه العبارة نص في بيان السبب، ولا تحتمل غيرها ومثل هذه العبارة أن يذكر الراوي سؤالا أو حادثة ثم يقول: فأنزل الله كذا، فهذه نص أيضا، وقد لا يصرح بالإنزال، ولكن يفهم من فحوى القصة أن هذه الآيات أو الآية نزلت بسبب هذا السؤال أو الحادثة، وذلك مثل رواية «ابن مسعود» الآتية في سبب نزول آية الروح.
الثانية: قولهم: نزلت هذه الآية في كذا، وهذه العبارة ليست نصا في السببية، بل تحتمل السببية، وتحتمل بيان المعنى، وما تضمنته الآية من الأحكام، والقرائن هي التي تعين أحد هذين الاحتمالين أو ترجحه.
قال العلامة «تقي الدين ابن تيمية»: «قولهم: نزلت الآية في كذا، يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب؛ كما تقول: عني بهذه الآية كذا، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند
فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد، وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه الآية، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند».
وهذا الذي ذكره ابن تيمية وغيره من أن الآثار التي ذكر فيها سبب النزول صراحة لها حكم المسند المرفوع هو الذي ذهب أئمة علوم الحديث إليه، قال الحاكم في «علوم
الحديث»: إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا، فإنه حديث مسند، ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره من أئمة الفن، قال ابن الصلاح في مقدمته:
«وما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق