وما لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية، وغيرها، فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضا؛ لأنه كذب في الرواية، وتخليط، وإن كان على سبيل التلاوة جاز.
أقول: ولعل في هذا زاجرا، وواعظا لبعض القراء الذين يذهبون جمال القرآن بذكر القراءات في اللفظة الواحدة من غير فصل بين قراءة وأخرى، ويريدون إظهار
المهارة في القراءات: وما هو- علم الله- من المهارة في شيء، وإنما هو إغراب وإشكال على السامعين، وعدم مراعاة لما يليق بالقرآن، والتأدب في قراءته.
[الاستماع للقرآن والإنصات إليه]
٢٠ - يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك الكلام والحديث مع الغير واللفظ عند القراءة، والأصل في ذلك قوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)[الأعراف: ٣٠٤].
وظاهر الأمر للوجوب، وإلى هذا ذهب بعض السلف والعلماء، والجمهور على أنه سنة وليس بواجب في غير الصلاة؛ وذلك لأن الآية نزلت في استماع المأموم عند قراءة الإمام؛ منهم من عمم ذلك في الجهرية والسرية، ومنهم من فرق بين السرية والجهرية، فأوجب القراءة في الأولى دون الثانية ومنهم من لم يفرق بينهما وأوجب القراءة فيهما، والمراد بالاستماع التأمل والتفكير فيه، ولما كان الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يحول بين المتكلم وبين فهم ما يسمع عقب الله سبحانه ذلك بالأمر بالإنصات وهو عدم الكلام.
وكذلك الإنصات قد يكون مع الاستماع؛ أي: التدبر فيما يسمع والتفكر فيه، وقد يكون مع عدم الاستماع، كأن يكون مفكرا في أمر آخر فمن ثم جمع الله سبحانه وتعالى بينهما؛ لأن المراد الإنصات، مع التدبر والتفكر، فلا يغني أحدهما عن الآخر؛ وقيل المراد بالاستماع الإجابة والعمل، فعلى سامع القرآن أن ينصت؛ ثم يكون العلم والعمل.
وهو تلفيق لا يليق ولا يمكن توجيه هذا التلفيق لغة ونحوا أبدا.