كافة، فالناس ربهم واحد وكلهم لآدم لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض، وإنما التفاضل بالتقوى، والتقوى جماع كل هدى وحق وخير.
وصدق الله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)[الحجرات: ١٣]، فالناس مهما تعددت شعوبهم، وتباينت أممهم فيجمعهم رباط واحد، وهو رباط الإنسانية العام، وهذا أسمى ما يطمع فيه من تشريع!
وهو الكتاب الذي صلحت به الدنيا، وحول مجرى التاريخ، وأقام أمة كانت مضرب الأمثال في الإيمان والإخاء والعدل والوفاء، والوفاق والوئام، وأظل العالم بلواء الأمن والسلام حقبا من الزمان، وصيّر من رعاة الإبل والشاء علماء حكماء رحماء، وسادة قادة في الحكم، والسياسة والسلم، والحرب، عقمت الدنيا عن أن تجود بمثلهم.
وهو الكتاب الذي لا تفنى ذخائره، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا يزداد على التكرار إلا حلاوة وطلاوة، وصدق القائل:
تزداد منه- على ترداده- مِقَة ... وكلّ قول- على التّرداد- مملول
وتلك لعمر الحق خصيصة من خصائص «القرآن» ومن كان في شك من هذا فليستفت الذوق والوجدان والقلب والآذان، وليوازن في هذا بين كلام الله وكلام الإنسان، وحينئذ سيتذوق، ومن ذاق عرف، ومن عرف اعترف.
ومهما تعاقبت على هذا الكتاب العزيز الأجيال والسنون لا يزداد إلا جدة وطرافة ولا يزال غضا طريا كما أنزل، وكلما تقدمت العلوم والمعارف الإنسانية تكشف للناس منه العجب العجاب وصدق الحق تبارك وتعالى