وكان اعتمادهم- رضوان الله عليهم- في الحفظ على التلقي والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه من النبي من الصحابة، ولا سيما القارئين المجيدين منهم كعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأمثالهم.
وما كانوا يعتمدون في حفظه على المكتوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا على النقل من الصحف والمصاحف بعد كتابتها في عهد ذي النورين عثمان رضي الله عنه.
وكذلك من جاء بعد الصحابة من التابعين، وتابع التابعين ومن بعدهم، كان اعتمادهم على التلقي الشفاهي من الشيوخ أو العرض، والقراءة عليهم، وهذا هو الغالب من شأنهم، ولا تزال هذه السنة في حفظ القرآن متبعة، وملتزمة لدى القراء المجيدين إلى عصرنا هذا وبذلك بقيت سلسلة الإسناد متصلة بالقرآن، وستبقى بإذن الله حتى يرث الله الأرض وما عليها.
[تفاوت الصحابة في الحفظ]
وقد كان الصحابة متفاوتين في الحفظ قلة، وكثرة، وإتقانا وتجويدا، فمنهم من كان يحفظه كله، ومنهم من كان يحفظ جله، ومنهم من كان يحفظ بعضه، ومنهم من كان يحفظ السورة، ومنهم من كان يحفظ السورتين، والثلاث، والخمس، والعشر، والأكثر، ولكن مما لا ينبغي أن يشك فيه أن القرآن كله كان محفوظا عند الكثرة الكاثرة منهم، التي تفيد التواتر المفيد للقطع واليقين بحيث كان مجموع القرآن عند مجموعهم (١).
(١) المجموع غير الجميع، فالمجموع هو الجملة الكلية أما الجميع فيشمل كل فرد من الأفراد، أو كل جزء من الأجزاء، فلو أن سورة البقرة حفظها مائة مثلا، وسورة آل عمران حفظها مائة آخرون، وهكذا يقال: إنه متواتر بحسب المجموع، ولو حفظ القرآن من أوله .... سورة الحمد .... إلى آخره ... سورة الناس يقال: إنه متواتر بحسب الجميع، وقد اجتمع التواتران للقرآن الكريم.