فإن قيل، فما العلة قلنا: هي ما قدمنا من أن الأحرف السبعة، التي جعلت للتيسير، ورفع الحرج أضحت سببا للنزاع والاختلاف، بل والتكفير على نحو ما قلنا آنفا.
[الشبهة الثالثة]
إن قيل: كيف يلتئم هذا الرأي الذي اخترتموه في تأويل الحديث مع ما أثر عن عثمان- رضي الله عنه- أنه قال للرهط القرشيين الذين كانوا مع «زيد بن ثابت» في نسخ المصاحف: «ما اختلفتم فيه- أنتم وزيد- فاكتبوه بلسان قريش! فإنما نزل بلسانهم».
قلنا في الجواب: إن قول عثمان محمول على ابتداء نزوله، وهو الحرف الأول الذي نزل به جبريل، وطلب النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة عليه؛ فقد نزل جبريل بهذا الحرف أولا، ثم كان يأتي بالحروف في عرضاته القرآن مع النبي كل عام في رمضان، فكان ينزل الله- سبحانه- في هذه العرضات ما شاء أن ينزل من ألفاظ اللغات الأخرى، التي تدعو إليها الحاجة، ثم كان أن استقر الأمر آخرا بعد زوال الضرورة على هذا الحرف، وهو لغة قريش.
أو يكون مراد عثمان: أن معظمه وأكثره نزل بلغة قريش.
نقل الإمام «أبو شامة» عن بعض الشيوخ أنه قال: «أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها، على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغة إلى أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد، كل ذلك مع اتفاق المعنى، وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم، وتصويب رسول الله كلا منهم».
قال الحافظ «ابن حجر» معلقا: وتتمة ذلك أن يقال: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي، أي أن كل واحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته، بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى ذلك قول كل