البعثة بزمن طويل يخطب الناس في سوق عكاظ على جمل أورق! وأن النبي سرّ بكلامه، قد ضعفه المحدّثون، بل طعن فيها الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي بالوضع والاختلاق، ولو سلمنا بصحة لقاء النبي له قبل البعثة، فإن ما أثر عن قسّ من كلمات لا تصلح أن تكون ملهمة للنبي بهذه الرسالة التامّة الوافية.
وأما أمية بن أبي الصّلت، فقد كان شاعر ثقيف، وكان من الحنيفيين الذين يدعون إلى التوحيد، وكان علم أنه سيبعث نبي آخر الزمان من بلاد العرب، فترهب وتعبد، ولبس المسوح (١) طمعا في أن ينال النبوة، وقد عاش حتى أدرك النبوة، ولكن استبد به الحقد والغضب أن لم تصادفه النبوة فلم يسلم، ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من شعره قال:«وكاد أن يسلم» وقال: «آمن شعره وكفر قلبه».
ولم يثبت قط أنه لقي النبي قبل البعثة ولا بعدها، وإن كان عاش إلى سنة تسع من الهجرة فكيف يعقل أن يكون النبي في نشأته قد أخذ عنه وتأثر بأفكاره
[(الرد على المقدمة الرابعة)]
وهي زعمهم أنه كان بمكة أناس من اليهود والنصارى، وكانوا عبيدا وخدما، ويسكنون خارج مكة، وأن النبي اتصل بهم وسمع منهم، فهي أوغل في الكذب من سابقتها، وأبعد من نجوم السماء، ولم يكن بمكة يهود ولا نصارى حتى يتعلم منهم النبي .. ولو وقع ما زعموه لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة يحتجون بها عليه، وأن ما يدّعيه من الوحي إنما تعلمه من هؤلاء، فإنهم كانوا يوردون في معرض الحجاج والخصام ما هو أضعف وأوهن من هذه الشبهة، فقد كان بمكة قين- حدّاد- رومي يصنع السيوف وغيرها فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف عنده أحيانا يشاهد صنعته، فطعنوا في النبي بأنه يتعلم منه، فرد الله عليهم قوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ