على المكتوب في المصاحف، فقد أمر أو أرسل سيدنا عثمان مع هذه المصاحف من يقرئ المسلمين بما فيها، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب المخزومي مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهكذا، وقد أجمع أهل كل مصر على ما في مصحفهم، وترك ما عداه، وبذلك زال الخلاف بين القراء، وتوحدت كلمة الأمة.
[السبب في تعدد المصاحف]
والسبب في تعدد المصاحف أن عثمان والصحابة قصدوا كتابة المصاحف على ما وقع عليه الإجماع، ونقل متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم من القراءات فعدّدوا المصاحف لتكون مشتملة على جميع القراءات المتواترة؛ واختلاف المصاحف له حالتان:
١ - أن تحتمل صورة اللفظ خطا للقراءتين المختلفتين أو القراءات وفي هذه الحالة يكتب اللفظ في جميع المصاحف بصورة واحدة، تحتملها، ذلك مثل نُنْشِزُها بالزاي وننشرها بالراء، ومثل فتثبتوا بالثاء والباء وفَتَبَيَّنُوا بالتاء والباء، وهَيْتَ لَكَ فإنها كانت تكتب بصورة واحدة تحتمل القراءات ومن المعروف أن المصاحف كانت مجردة من الشكل والنقط.
٢ - أن لا تكون صورة اللفظ خطا محتملة للقراءات المختلفة وحينئذ تكتب في بعض المصاحف بصورة وفي بعضها بصورة أخرى، وذلك مثل وَوَصَّى، وأوصى من قوله
تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة: ١٣٢]، فإنها في مصحف أهل المدينة وأوصى وفي مصحف أهل العراق وَوَصَّى، ومثل تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ وتجري من تحتها الأنهار [التوبة: ١٠٠] في سورة التوبة، ومثل وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس:
٣٥] وما عملت أيديهم إلى غير ذلك فإنها كتبت في بعض المصاحف بلفظ وفي بعضها بلفظ آخر.