ولعل مما يستحسن ذكره في هذا المقام لنفاسته وكفايته في الرد على القائلين بالاجتهاد ما ذكره العلامة ابن المبارك، نقلا عن شيخه العارف بالله الشيخ عبد العزيز الدباغ، إذ يقول في كتابه «الذهب الإبريز» ما نصه:
رسم القرآن سر من أسرار الله المشاهدة، وكمال الرفعة، قال ابن المبارك فقلت له: هل رسم الواو في سأوريكم، وأولئك، وأولاء، وأولات، وكالياء في نحو (هديهم)، (ملإيه) و (ملإيهم)، و (بأييكم) هذا كله صادر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من الصحابة فقال: هو صادر من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أمر الكتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة. فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: إن جماعة من العلماء ترخصوا في أمر الرسم، وقالوا: إنما هو اصطلاح من الصحابة مشوا فيه على ما كانت قريش تكتب عليه في الجاهلية، وإنما صدر ذلك من الصحابة؛ لأن قريشا تعلموا الكتابة من أهل الحيرة، وأهل الحيرة ينطقون بالواو في الربا فكتبوا على وفق منطقهم، ينطقون فيه بالألف وكتابتهم له بالواو على منطق غيرهم، وتقليد لهم حتى قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه؛ فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ما يدل على ذلك.
فقال: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها؛ لأسرار لا تهتدي إليها العقول وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز. وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في (مائة) دون (فئة) وإلى سر زيادة الباء في (بأييد) و (بأييكم) أم كيف تتوصل إلى زيادة الألف في (سعوا) بالحج ونقصانها في (سعو) بسبإ وإلى