لقد حاول الماديون الذين لا يؤمنون بوجود قوى روحية غيبية وراء المادة، ومن على شاكلتهم ممن يحملون الحقد والضغن للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم حاول هؤلاء أن يشكّكوا في الوحي المحمدي فنفوا أن يكون وحيا من خارج نفس النبي وقالوا: إنه وحي من داخل نفسه فليس هناك ملك تلقى عن الله ثم ألقى ما جاء به على النبي صلى الله عليه وسلم ولا غير ذلك من أنواع الوحي وإليك هذه الشبهة والرد عليها.
[شبهة الوحي النفسي]
قالوا: نحن لا نشك في صدق محمد في خبره عما رأى وسمع، وإنما نقول: إن منبع ذلك من نفسه، وليس فيه شيء جاء من عالم الغيب الذي يقال: إنه وراء عالم المادة والطبيعة الذي يعرفه جميع الناس، فإن هذا الغيب شيء لم يثبت عندنا وجوده، كما أنه لم يثبت عندنا ما ينفيه ويلحقه بالمحال، ونحن نفسر الظواهر غير المعتادة بما عرفنا، وثبت عندنا، دون ما لم يثبت، فهذا الموحى الذي أخبر به محمد إنما هو إلهام كان يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج؛ ذلك أن منازع نفسه العالية، وسريرته الطاهرة، وقوة إيمانه بالله وبوجوب عبادته وترك ما سواها من عبادة وثنية، وتقاليد وراثية رديئة- يكون لها في جملتها من التأثير ما يتجلى في ذهنه، ويحدث في عقله الباطن الرؤى، والأحوال الروحية، فيتصور ما يعتقد وجوده إرشادا إلهيّا نازلا عليه من السماء بدون وساطة، أو يتمثل له رجل يلقنه ذلك، يعتقد أنه من عالم الغيب وقد يسمعه يقول ذلك في المنام الذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند الأنبياء، فكل ما يخبر به النبي من كلام ألقي في روعه، أو عن ملك ألقاه على سمعه فهو خبر صادق عنده، ولكن تفسيره عندنا ما ذكرنا من أن ما تخيله إنما هو نابع من نفسه ومن عقله الباطن.