هو الذي لم ينته الجن إذ سمعوه حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ من قال به صدق، ومن عمل أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم».
إن كتابا هذا بعض شأنه لجدير أن يضعه الإنسان بين عينيه، ويجعله أنيسه في خلوته، ورفيقه في سفره، وصديقه الصدوق في يسره وعسره، ومستشاره الأمين في أمور دينه ودنياه، وحجته البالغة في حياته وأخراه.
[٧ - عناية الأمة الإسلامية بالقرآن]
فلا عجب- والقرآن كما سمعت- أن عنيت الأمة الإسلامية به عناية فائقة، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به وأفنوا أعمارهم في البحث فيه والكشف عن أسراره، ولم يدعوا ناحية من نواحيه الخصبة إلا وقتلوها بحثا وتمحيصا، وألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره ومنهم من ألف في رسمه، وقراءاته، ومنهم من ألف في: محكمه ومتشابهه ومنهم من ألف في مكيّه ومدنيّه ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف ثم في الصحف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره إلى غير ذلك من العلوم المتكاثرة.
وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، وجروا فيه أشواطا بعيدة
إلى غيره، ومعنى «ولا يخلق عن كثرة الرد» يخلق- بفتح الياء وضم اللام، وبضم الياء وكسر اللام-: من «خلق» الثوب: إذا بلي، أو من «أخلق»، وعن على بابها؛ أي لا يصدر الخلق عن كثرة تكراره، وقال الحافظ «ابن حجر»: (عن): بمعنى (مع) وفي بعض النسخ للترمذي: «على» مكان «عن»، وهو يؤيد ما ذهب إليه «ابن حجر».