للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولان: الخمر مباحة، ويحتجان بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) [المائدة: ٩٣]، ولو أنهما علما سبب النزول لما قالا ذلك، ولكن خفي عليهما، فوقعا في هذا الرأي الشاذ، فقد روي: أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر: «كيف بمن قتلوا في سبيل الله، وماتوا، وكانوا يشربون الخمر، وهي رجس فنزلت».

رواه أحمد والنسائي وغيرهما.

فدل سبب النزول على أن ذلك كان قبل التحريم، وأن الآية لا تصلح دليلا لذلك، وأيضا فكيف تجامع التقوى شرب الخمر، ولذلك لما حاج سيدنا عمر قدامة وصاحبه قال: «كيف يجامع شرب الخمر التقوى»!

هـ- ومن ذلك ما روي في الصحيح عن مروان بن الحكم (١) أنه أشكل


نبهنا إلى هذا الغلط أستاذنا الشيخ المحدث محمد حبيب الله الشنقيطي- رحمه الله- ونحن نقرأ عليه كتاب «الإتقان» ومن العجيب أن الذين علقوا على البرهان وزعموا أنهم حققوه قد فات عليهم هذا الغلط.
(١) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أبو عبد الملك، وقد ولد بعد سنتين من الهجرة، وقيل سنة ثلاث، وعلى هذا يكون له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إما ثمان سنين أو سبع، فيكون مميزا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تثبت له صحبة ولم يعده أحد في الصحابة، وقد أسلم أبوه يوم الفتح، وأخرج إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أي بعد من الرؤية، ولم تثبت له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي، وزيد بن ثابت، وغيرهم، وروى عنه بعض الصحابة كسهل بن سعد وهو أكبر منه سنّا وقدرا؛ لأنه صحابي، وروى عنه من التابعين ابنه عبد الملك، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
وغيرهم، وكان يعد في الفقهاء، وقد قرنه البخاري بالمسور بن مخرمة في حديث قصة صلح الحديبية، وفي بعضها إنما رويا ذلك عن بعض الصحابة، وفي أكثرها أرسلا الحديث، وهو يعد من كبار التابعين، ومن الثقات، وقد كان مكتبا لعثمان في خلافته ثم ولي إمرة المدينة في عهد معاوية وقد آلت إليه الخلافة بعد موت معاوية بن يزيد، وكانت مدته في الخلافة نحو نصف سنة، وكانت وفاته في شوال سنة خمس وستين للهجرة، وكان قد عهد إلى ولده عبد الملك بالخلافة، قالوا: وهو أول من ضرب

<<  <   >  >>