وهذا الرأي يتفق هو والروايات السابقة الدالة على اختلاف الصحابة في كلمات من القرآن، وتنازعهم، ورفع الأمر إلى رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- ثم إقرار الرسول كلا على قراءته، ويوافق الأصول التي استنتجناها من هذه الروايات؛ فالغرض من النزول على سبعة أحرف التيسير، ورفع الحرج عن الأمة بالتوسعة في الألفاظ ما دام المعنى واحدا، فقد كانوا أمة أمية، وكانت لغاتهم متعددة، وكان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة،
ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وتغيير للعادة، فمن ثم جعل الله لهم متسعا في اللغات بقراءة المعنى الواحد بألفاظ مختلفة.
وقد استمر الأمر على هذا حتى كثر فيهم من يقرأ ويكتب، وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لسان قريش، ولا سيما بعد أن صارت لقريش السيادة الدينية والدنيوية معا، وقدروا على النطق بلغة قريش، التي هي أعذب اللغات وأسهلها وأطوعها للألسنة؛ فلم يسعهم أن يقرءوا بخلافها، ولا سيما وقد زالت الضرورة وأصبحت التوسعة في القراءة بالأحرف السبعة مثار اختلاف وتنازع، فقد حدث في عهد الخليفة الثالث «عثمان» - رضي الله عنه- أن اجتمع أهل الشام مع أهل العراق في غزوة «أرمينية» وكانت قراءاتهم مختلفة، فصار يخطّئ بعضهم بعضا، ويقول كل منهم: حرفي الذي أقرأ به خير من حرفك، فجاء حذيفة بن اليمان إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين، أدرك المسلمين قبل أن يختلفوا في كتابهم اختلاف اليهود والنصارى، وحدث أيضا: أن كان المعلم يعلم قراءة الرجل، والآخر يعلم قراءة رجل آخر، فصار الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع هذا الخلاف إلى المعلمين، وكاد أن يكفر بعضهم بعضا، فقال عثمان: أأنتم عندي تختلفون فمن نأى من الأمصار كان أشد اختلافا، فرأى الخليفة الراشد عثمان- ونعم ما رأى- على ملأ من الصحابة، ومشورة من أهل الرأي منهم أن يجمع الناس على حرف واحد، حتى تضيق