كلامهم فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفة قيس ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة (١) ولا الكسر تسمعه من أسد وقيس، مثل «تعلمون» - بكسر التاء- و «ونعلم» - بكسر النون- ومثل «شعير وبعير» - بكسر الأول منهما.
وقال الفراء:
كانت العرب تحضر الموسم في كل عام؛ وتحج البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات العرب، فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ.
وقال أبو نصر الفارابي، في أول كتابه المسمى «الألفاظ والحروف»:
كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعا، وأبينها إبانة عما في النفس، والذين عنهم نقلت العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة: فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم؛ فإنه لم يؤخذ لا من لخم، ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا
(١) عنعنة تميم إبدالهم العين من الهمزة، والعجرفة جفوة في الكلام والكشكشة إبدال الشين من كاف الخطاب للمؤنث كعليش في «عليك»، والكسكسة إلحاقهم بكاف المؤنث سينا عند الوقوف يقولون في بك «بكس».